مولى الموفق أبي أحمد بن جعفر المتوكل كان قائدا معروفا جليلا، وكان فاضلا فصيحا حسن المجالسة وله مال وافر وغلمان متوافرون، ولما مات مولاه انتقل إلى ثغر طرسوس وأقام بها، وابتنى بها دورا ومساكن له ولمواليه، وكان حين وصل إلى حلب سير ماله وثقله إلى طرسوس، وتوجه إلى خمارويه بن أحمد ابن طولون فأقام عنده مدة، وفرح أهل الثغر بكثرة غلمانه ومقامه بهم عنده، وتوهم أهل طرسوس أن خمارويه قبض عليه فعمدوا إلى والي طرسوس، وهو ابن عم خمارويه فقبضوا عليه ونهبوه وسجنوه إلى أن أطلق لهم راغب وهمّ خمارويه بعد ذلك بالقبض عليه فعصمه الله منه، وكان له ولمواليه نكاية في العدو، وآثار حسنه في الجهاد، وقيل إنه لما وصل حلب اجتمع بطفج بن جفّ لما لقيه بحلب، ووعده بأشياء عن خمارويه، فصعد إلى مصر في سنة تسع وستين ومائتين، وردّ راغب خادمه مكنون مع سائر أمواله وسلاحه إلى طرسوس، ومضى إلى خمارويه إلى مصر في خمس غلمان، وكتب طغج إلى محمد (٩ - ظ) ابن موسى الأعرج بالقبض على مكنون وما معه، ففعل، ووثب عليه أهل طرسوس ومنعوه من ذلك، وكتبوا إلى خمارويه وقالوا: أطلق لنا راغبا حتى نطلق الأعرج، وأنفذ معه أحمد ابن طغان واليا على الثغور، وعزل عنهم الأعرج. ذكر ذلك ابن أبي الأزهر والقطربلي في تاريخهما الذي اجتمعا على تأليفه (١).
وذكر أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن زولاق فيما قرأته في سيرة أبي الجيش خمارويه بن أحمد ابن طولون قال: وفي هذه السنة في هذه السنة في صفر منها-يعني سنة ثمان وسبعين ومائتين-مات أبو أحمد الموفق وعقد العهد لابنه أبي العباس، وكان للموفق غلام خادم من جلة غلمانه يعرف براغب، فلما مات مولاه أحزنه موته،
(١) -لم يصلنا انظر حوله كتابي الجامع في أخبار القرامطة:١/ ١٧٣ - ١٧٤.