بعد هذا كله أرى من الأحسن التعرف الى الملامح العامة لحياة ابن العديم ومن ثم نعود الى الحديث عن كتابه بغية الطلب.
ان مصدرنا الاول والاساسي عن حياة ابن العديم مع تاريخ أسرته هو كتاب بغية الطلب، حيث ضمنه العديد من تراجم أفراد أسرته، كما تحدث هنا وهناك عن نشاطات رجال أسرته في مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية للقسم الشمالي من بلاد الشام، وبالاضافة الى هذا المصدر الاساسي نجد ياقوتا الحموي صديق ابن العديم يذكر انه اعتمد في ترجمته له على كتاب اسمه «الاخبار المستفادة في ذكر بني أبي جرادة»، وقال ياقوت:«أنا سألته جمعه فجمعه لي، وكتبه في نحو أسبوع، وهو عشرة كراريس».
وابن العديم هو الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن هبة الله … بن أبي جرادة، وقد ولد في مدينة حلب في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وخمسمائة للهجرة وعندما بلغ السابغة من عمره حمل الى المكتب للدراسة، وهناك ظهرت استعداداته مما بشر بنبوغه المبكر، وقد كان نحيف البنية لذلك عني به أبوه عناية كبيرة، فحدب على رعاية صحته، وسهر على تربيته وتعليمه، ونظرا لمنزلة والده ولما تمتعت به أسرته من مكانة نال ابن العديم حظه وافيا من معارف عصره الدينية والدنيوية، ويروى بأن أباه حضه على اتقان قواعد الخط، ذلك أنه-أي الاب- كان رديء الخط، فأراد أن يجنب ابنه هذه الخلة، ونجح في هذا المجال نجاحا كبيرا للغاية، وقد وصف ياقوت اتقان ابن العديم لقواعد الخط العربي بقوله:
«وأما خطه في التجويد والتحرير والضبط والتقييد فسواد ابن مقلة، وبدر ذو كمال عند علي بن هلال»، ويؤكد شهادة ياقوت هذه المجلدات العشرة من كتاب بغية الطلب التي وصلتنا بخط ابن العديم، حيث نرى فيه واحدا من ألمع النساخ في تاريخ العربية وأكثرهم ضبطا وبراعة وأمانة ويقظة ودراية.