للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملوك والأغنياء، وأولاد الهاشميين بأيديهم الأقلام يكتبون، وإذا مستمل قائم في صحن الدار، وإذا شيخ في صدر الدار، ذو جمال وهيئة، قد وضع في رأسه طاق خف مقلوب، واشتمل بفرو أسود قد جعل الجلد مما يلي بدنه، فجلست في أخريات القوم، وأخرجت الكاغد، وانتظرت ما (١٣٥ - ظ‍) يذكر من الاسناد، فلما فرغوا قال الشيخ: حدثنا الأول عن الثاني عن الثالث أن الزّنج والزط‍ كلهم سود؛ وحدثني خرباق عن نياق قال: مطر الربيع ماء كله، وحدثني دريد عن رشيد قال: الضرير يمشي رويدا.

قال أبو بكر أحمد بن يعقوب: فبقيت أتعجب من أمر الشيخ، فطلبت منه خلوة في أيام، أعوذ إليه كل يوم فلا أصل إليه، حتى كانت الليلة التي يخرج الناس فيها الى الغدير (١) اجتزت بباب داره فإذا الدار ليس فيها أحد، فدخلت فإذا الشيخ وحده جالس في صدر الدار فدنوت منه وسلمت عليه، فرحب بي وأدناني، وجعل يسألني، فرأيت منه من جميل المحيّا والعقل والأدب والظرافة واللباقة ما تحيرت فقال لي: هل لك من حاجة؟ قلت: نعم، قال: وما هي؟ قلت قد تحيرت من أمر الشيخ، وما هو مدفوع إليه مما لا يليق بعقله وحسن أدبه وبيانه وفصاحته، فتنفس نفسا شديدا، ثم قال: إن السلطان أرادني على عمل لم أكن أطيقه وحبسني في المطبق أيام حياته، فلما ولي ابنه عرض علي ما عرض علي أبوه فأبيت، فحبسني وردني إلى أسوأ ما كنت فيه، وذهب من يدي ما كنت أملكه، واخترت سلامة الدين، ولم أتعرض لشيء من الدنيا بشيء من ديني، وصنت العلم عما لا يليق به، ولم أجد وجها لخلاصي، فتحامقت ونجوت، فها أنذا في رغد من العيش. (١٣٦ - و).

أنبأنا أبو البركات الحسن بن محمد قال: أخبرنا أبو القاسم الحافظ‍ قال:

كتب إليّ أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن علي البيهقي قال: قال لنا أبو بكر البيهقي: أحمد بن يعقوب، كان يعرف بابن بغاطرة القرشي الأموي، له من أمثال هذا، يعني حديثا ذكره، أحاديث موضوعة لا أستحلّ رواية شيء منها (٢).


(١) -أي الاحتفال بمناسبة يوم غدير خم.
(٢) - تاريخ ابن عساكر:٢/ ١٤٣ و.

<<  <  ج: ص:  >  >>