لا يتكلم، ثم حضر وقت صلاة عشاء الآخرة، فقام للصلاة وقمنا، ثم عاد الى مجلسه وعدنا، فما زلنا جلوسا بين يديه لم يدع بشيء مما أعد له، ولا نطق بحرف، ولا نطقنا، فلما أن نادى المؤذن بصلاة الغداة، فقام لما سمع الأذان، وقمنا جميعا فعبرنا في زورق، فقالت لنا بدل: مروا بنا الى منزلي لنقم اليوم فيه وتتعجب مما كنا في البارحة، قال: ففعلنا وأقمنا عندها وما فينا أحد يدري لم أحضرنا، ولا لم صنع بنا ما صنع، حتى إذا مضى لهذا الحديث مدة قالت لي بدل-وكانت جريّة على إسحاق-: علمت أني سألته عن قصتنا ليلة، فقال لي: نعم كنت أشتهي منذ دخلت بغداد أن أصادف ليلة أربع عشرة من الشهر والقمر فيها تام، وقد مدت دجلة فأشرب على الماء والقمر، فاتفق ذلك في الليلة التي دعوتكم إليها، وعزمت على الشرب فلما تكامل لي ما أردت عرض في فكرتي أنى متى أعطيت نفسي شهوتها طالبتني (٢٣٧ - و) بذلك في غير هذا الأمر حتى تغلبني، فتفسد علي أمري، فمنعتها تلك الشهوة لئلا أضرّيها على مثلها.
ذكر أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف قال: وفيها-يعني سنة خمس وثلاثين ومائتين-مات اسحاق بن ابراهيم الموصلي واسحاق الطاهري المغنيان، وكان اسحاق الموصلي عالما باللغة والأخبار.
قلت: إسحاق الطاهري كان أميرا ولم يكن يعرف بالغناء.
أنبأنا ابن طبرزد عن أبي غالب بن البناء عن أبي غالب بن بشران قال: أخبرنا أبو الحسين المراعيشي وأبو العلاء الواسطي قالا: أخبرنا ابراهيم بن محمد بن عرفة قال: وأما دار إسحاق فمنسوبة الى إسحاق بن ابراهيم المصعبي، ولم يزل يتولى الشرطة من أيام المأمون الى أيام المتوكل، ومات سنة خمس وثلاثين ومائتين، وسنة ست وخمسون سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يوما.
وقال ابن عرفة في موضع آخر: وأما إسحاق بن ابراهيم فمات عن ثمان وخمسين سنة وأربعة أشهر.
وقال ابراهيم بن محمد بن عرفة: وفي هذه السنة-وهي سنة خمس وثلاثين ومائتين مات أبو الحسن إسحاق بن ابراهيم وسنه ثمان وخمسون سنة وأربعة أشهر وأحد عشر يوما.