للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكندي قال: حدثنا أبو بكر الخرائطي قال: حدثنا العباس بن الفضل قال: حدثنا اسحاق بن إبراهيم عن أبي مسكين قال: ضلت ناقة لفتى من بني تميم، فخرج الى حي بني شيبان ينشدها، فإنه لكذلك إذ بصر بجارية كأنها الشمس حسنا وجمالا، فعشقها عشقا مبرحا، فرجع الى قومه وقد أذهبت (٢٤٣ - ظ‍) عقله، فما تمالك أن رجع الى حيهم، فلما هدأ الليل قال: لعليّ أسكن بالنظر إليها بعض ما بي، فأتاها وهي جالسة وأخوتها نيام حولها فقال لها: يا قرّة عيني قد والله أذهب الشوق عقلي وكدّر علي عيشي، فقالت له: امض الى حالك وإلا أنبهت أخوتي فقتلوك، فقال لها:

إن القتل أهون عليّ من الذي أنا فيه، قالت: وهل يكون شيء أشد من القتل؟ قال: نعم ما أنا فيه من حبك، قالت له: فما تشاء؟ قال: أمكنيني من يدك حتى أضعها على قلبي، ولك عهد الله أني أرجع، ففعلت، فرجع، فلما كانت القابلة عاد فوجدها على مثل حالها، فقالت له كقولها الأول فقال: أمكنيني من شفتيك حتى أرشفهما وأنصرف، فلما فعلت ذلك وقع في قلبها منه كهيئة النار، فأقبلت تلقاه كل ليلة، فنذر به حيها وأخوتها، فقالوا: ما لهذا الكلب قد أطال المكث في هذا الجبل وهو يتخطانا، فقعدوا لطلبه في ليلتهم تلك، فأرسلت إليه إن القوم يريدونك، فكن على حذر، وإياك والغفلة، فجاءت السماء بمطر حال بينهم وبين طلبه، ثم انجلت السحاب وطلع القمر، فتطيب الجارية، ونشرت شعرها، وأعجبت بنفسها، واشتهت أن يراها على تلك الحال، فقالت لترب (١) لها قد كانت أطلعتها على شأنها يا فلانة أسعديني على المضي إليه، فخرجتا تريدانه، وهو على الجبل خائف من الطلب لما حذرته، فبصر بشخصين يسيران في القمر، فلم يشك أنهما من (٢٤٤ - و) الطالبين له ليقتلوه، فانتزع بسهم، فما أخطأ قلب صاحبته فسقطت مضرجة بدمائها، فلم تزل تضطرب حتى ماتت، فبهت شاخصا ينظر إليها ثم أنشأ يقول:

نعب الغراب بما كره‍ … ت ولا إزالة للقدر

تبكي وأنت قتلتها … فاصبر وإلاّ فانتحر

ثم جمع نبله، فجعل يجأ أوداجه حتى قتل نفسه.


(١) -صديقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>