للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال المرزباني: حدثني علي بن الفارسي قال: أخبرني أبي قال: حدثني علي بن مهدي عن أحمد بن حمدون قال: أخبرني مخارق قال: لما تقرّأ (١) أبو العتاهية ولبس الصوف، أمره الرشيد أن يقول شعرا في الغزل، فامتنع فضربه ستين عصا، وحلف ألا يخرج من حبسه حتى يقول شعرا في الغزل فلما رفعت المقارع عنه قال للرشيد: كل مملوك له حر، ومرته طالق ان تكلم سنة إلا بلا اله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأن الرشيد تحوّب (٢) مما فعل به، فأمر بأن يحبس في دار ويوسع عليه، ولا يمنع من الدخول اليه.

قال مخارق: وكانت الحال بيني وبين ابراهيم الموصلي لطيفة، فكان لا يزال يبعث بي اليه في الايام أتعرف خبره، فاذا ادخلت اليه الى حبسه وجدت بين يديه ظهورا ودواة يكتب إليّ بجميع ما يريد، وأكلمه أنا، فمكث كذا سنة، واتفق (١٥٩ - ظ‍) أن ابراهيم صنع صوته:

أعرفت أن الحيّ بالحجر … فسر وريان فقبّة العمر

وهجرتنا وألفت رسما باليا … والرسم كان أحق بالعمر (٣)

فقال لي ابراهيم: اذهب الى أبي العتاهية حتى تغنيه هذا الصوت، فأتيته في اليوم الذي تنقضي فيه يمينه، فكتب إليّ بعد أن غنيته: هذا اليوم الذي تنقضي فيه يميني، فأحب أن تقيم عندي الى الليل، فأقمت عنده نهاري كله حتى إذا أذّن الناس المغرب، كلمني فقال: مخارق، قلت: لبيك، قال: قل لصاحبك: يا ابن الزانية، أما والله لقد أبقيت للناس فتنة الى يوم القيامة، فانظر أين أنت من الله غدا، قال مخارق: فقلت له: دعني من هذا، قلت شيئا نتخلص به من هذا الموضع؟ قال:

قد قلت في امرأتي شعرا، قلت: فأنشدنيه، فأنشدني:


(١) -تقرأ: تفقه. القاموس. ومخارق هو ابن يحيى بن ناوس الجزار من أعلام الغناء أيام الرشيد. انظر كتاب «جمهرة المغنين» لخليل مردم بك-ط‍. دمشق ١٤٦:١٩٦٤ - ١٤٨.
(٢) -أي توجع وأسف. القاموس.
(٣) -ليسا في ديوانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>