الفضلاء قال: ومن شعرائها المشهورين أبو الطاهر اسماعيل بن محمد المعروف بابن مكنسة، وهو شاعر كثير التصرف، قليل التكلف، مفتن في نوعي جد القريض وهزله، وضارب بسهم دقيقه وجزله، وكان في ريعان شبيبته وعنفوان حداثته يتعشق غلاما من أبناء العسكرية المصريين يدعى عز الدولة بن فائق، وهو الآن بمصر من رجال دولتها المعدودين، وأكابرها المقدمين، ولم يزل مقيما على عشقه له وغرامه به الى أن محا محاسنه الشعر، وغير معالمه الدهر، ولم يزل عز الدولة هذا محسنا اليه مشتملا عليه الى أن فرق الموت بينهما.
وكان في أيام أمير الجيوش بدر الجمالي منقطعا الى عامل من النصارى يعرف بأبي مليح بن مماتي، وأكثر أشعاره فيه، فلما انتقل الامر الى الأفضل تعرض لا متداحه واستماحه، فلم يقبله (١٨٤ - و) ولم يقبل عليه، وكان سبب حرمانه ما سبق من مدائحه لأبي مليح ومراثيه، ولا سيما قوله:
طويت سماء المكرما … ت وكورت شمس المديح
وتناثرت شهب العلا … لما ثويت أبا مليح
من أبيات منها:
ماذا أرجي في حياتي … بعد موت أبي المليح
كفر النصارى بعد ما … غدروا به دين المسيح
قرأت بخط صديقنا عمر بن الربيب أبي المعالي أسعد بن عمار الموصلي في مجموع ذكر أنه نقل هذا الخبر من مجموع بالديار المصرية: لما توفي ابن مماتي عامل ديوان النظر الخاص يومئذ فرثاه ابن مكنسة، شاعر الدولة المصرية، والوزارة الأفضلية بقصيدة من جملتها:
طويت سماء المكرمات … وكورت شمس المديح
يا نفس ماذا تصنعيين … وقد فقدت أبا مليح
وكان متواتر الصلة اليه، فاتصل ذكر هذه الأبيات بالأفضل أمير الجيوش، وزير الآمر، فعظم عليه، وقال: يقول كذا وكذا، وكرر القول مرارا، وقال: اذا