وتدانى إلي وتدانيت إليه، وكف العسكران، وأحجموا ينظرون إلينا، فطال بيننا الضرب الى أن ضربته ضربة على حبل عاتقه حلت كتفه وأرديته عن فرسه وجريته الى أصحابي، وجلت بين الصفين وأنشأت وأنا أقول:
من شيمتي الكر على القبائل … والخوض في دم الفتى المقاتل
إني أنا الفارس والحلاحل (١) … قبيلتي تسمو على القبائل
معروفة بالكر في الجحافل
فبرز لي رجل من طيء يعرف بهمدان بن عكرمة فجال بين الصفين وارتجز وهو يقول:
الحرب تارات أبا مقاتل … لا تحسبني مثل ذاك الفاشل
لتعلمن أينا حلاحل … وأينا يفلل الجحافل
ويقتل السادات في القبائل
ودنا مني ودنوت منه، وجرى بيننا أمر عظيم، وبدرني بضربة في قمتي كشطت من رأسي قطعة، وضربته ضربة في هامته قطعتها، وحمل أصحابه عليه فأخذوه واشتملت وجعلت أجول بين الصفين، فتغيظ مني أمير الجيش وهو خفاف بن ندبة، فقال: من هذا الذي قد فلّل جموعكم وقتل أبطالكم؟ قالوا: ما نعلم غير أنه (٢٥٥ - ظ) بطل، فقال: دونكم فرسي الغضبان، فأتي بفرسه، فركبه وتدرع وخرج وهو غائص في الحديد وبارزني فتجاولنا ومضت بيننا عركات ورأيته ثبتا جريّ الجنان، قوي القلب لا رعديد ولا فشل، فلما لم يكن لي معه شيء خاتلته وأخذت من طريق الخديعة وقلت: أخذتك ورب الكعبة، وأريته أني أضرب رجليه فاشتغل بها فضربت يده أطرتها، ونفرت به فرسه فأردته، وحمل أصحابي فأخذوه
(١) -الحلاحل: السيد الشجاع، أو الضخم الكثير المروءة. القاموس.