للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم أخذ بيدي أيها الأمير وأتى بي مضربها، فأجلسني برّا منه حيث أسمع ما يدور بينهما، ودخل اليها فقال لها: يا بنية، الأعسر ممن تعلمين فضله وكرمه وسؤدده، وقد أتانا خاطبا لك فلا تلجين وأنعمي، فبكت وقالت: والله لئن لم تتركني لأقتلن نفسي فعاودها دفعات وهي تأبى، فخرج وهو يشتمها ويلعنها، وخبرني فجزيته خيرا، وودعته وسرت وأنا قلبي عند الصيقل حتى أتيت أهلي ففرحوا بي وتباشروا، واجتمع أهلي وبنو عمي فقلت لهم:

مضيت من عندكم بقلبي … وعدت مضنى بغير قلب

وكنت حيا فصرت ميتا … من حسرة بي تشد كربي

كدت وحق الإله حقا … والبيت والقاصدين سغب (١)

أقضي من حرقة ووجد … ولوعة في الفؤاد نحبي

حسبي يا صيقل بهذا لا … تكثري في الجفا فحسبي

فبهت أهلي وأصحابي، وقالوا: ما الذي دهاك؟ قلت لا تنطق (٢)، وأسرع فأحمل الى طراد جميع ما يطلبه وأطرح عليه جميع من قدرت عليه حتى يزوجني من ابنته، وحدثته الحديث فاغتنم وبكى، وأنفذ الى طراد يرغبه وأكثر له (٣) وهي تأبى أن تتزوج بأحد.

فأقمت مدة بأسوإ حال، ثم إني اشتقت اليها ذات يوم (٢٥٧ - ظ‍) وطرقني خيالها ليلا، فغدوت أريدها فسرت على فرسي حتى أتيت الحلة، فشممت على قدر ميل نتن روائح وجيفة، فلما وصلت الى الحلة اذا بقتلى كثيرة بعضهم فوق بعض، وأهل الحي زردق زردق، ومحفل محفل في المواتيم والبكاء والنحيب، فتقدمت الى بيت لقيني فناديت يا أهل البيت أنعموا صباحا، فخرجت جارية كالمهاة، وقالت


(١) -كتب ابن العديم بالحاشية: لعله ربي، وكتب بخط‍ مخالف بالحاشية المقابلة: هذا جائز.
(٢) -كتب ابن العديم فوقها: كذا، وكتب بخط‍ مخالف في الحاشية: «سقط‍ شيء».
(٣) -كذا بالاصل وهو كما أرى تصحيف صوابه «وأنفذ اليها طراد يرغبها، وأكثر لها».

<<  <  ج: ص:  >  >>