ونقلت من خط عبد المنعم بن الحسن بن اللّعيبة الحلبي: دخلت سنة تسع عشرة وخمسمائة ووصلت العساكر من الشرق، ومقدّمها آق سنقر البرسقي، وكان الأفرنج نزلوا على حلب في شهر رمضان سنة ثمان عشرة وخمسمائة وحاصروها وضيقوا على أهلها ومضى القاضي ابن العديم والأشراف، وقوم من مقدمي أهلها مستصرخين لأنه ما كان بقي من أخذها شيء، فوصل البرسقي (٢٧٥ - ظ) معهم في محرم سنة تسع عشرة وخمسمائة، ونزل بالس وكانت رسله مذ وصل الرحبة متواترة الى حمص ودمشق يستدعي مالكها، وسار الأمير صمصام الدين عن حمص في أول ربيع الأول، فلقي الأمير قسيم الدولة البرسقي بتل سلطان بعد انفصاله عن حلب، وانهزام الأفرنج عنها، وكان سرى إليهم من بالس، ووصل الى حلب وخرج أهل حلب ونهبوا من خيام الأفرنج مقدار المائة خيمة، من على جبل جوشن، وما بقي من هلاكهم شيء، لكن الله أمسك أيدي الترك عنهم بمشيئته.
قرأت بخط أبي غالب عبد الواحد بن الحصين في تاريخه في حوادث سنة ثمان عشرة وستمائة (١): وفي ثاني عشري ذي حجتها دخل البرسقي الى حلب، وفي عده رحل الفرنج عن حلب.
قلت: وبعد أن أقام البرسقي بحلب ورتب أحوالها ترك ولده بها وعاد الى الموصل فقتله الاسماعيلية بها على ما نذكره.
قال لي شيخنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري: كان آق سنقر البرسقي خيرا، عادلا، لين الأخلاق حسن العشرة مع أصحابه.
قال لي: أخبرني أبي محمد بن عبد الكريم: حكى بعض الغلمان الذين يخدمون البرسقي، قال: كان يصلي البرسقي كل ليلة صلاة كثيرة وكان يتوضأ هو بنفسه ولا يستعين بأحد، قال: فرأيته في بعض ليالي الشتاء بالموصل وقد قام من فراشه وعليه فرجية وبر صغيرة، وبيده (٢٧٦ - و) ابريق نحاس، وقد قصد دجلة ليأخذ ماء يتوضأ به، قال: فلما رأيته قمت إليه لآخذ الإبريق من يده فمنعني، وقال:
يا مسكين ارجع الى مكانك فإنه برد، فاجتهدت به لآخذ الإبريق من يده، فلم يفعل،