للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعت قائلا يقول للفرزدق: من أشعر الناس يا أبا فراس؟ قال: ذو القروح، يعني امرؤ القيس، قال: حين يقول ماذا؟ قال: حين يقول:

وفاهم جدهم ببني أبيهم … وبالأشقين ما كان العقاب (١)

قال ابن سلام: واحتج لامرئ القيس من يقدمه وليس أنه قال ما لم يقولوا، ولكنه سبق العرب الى أشياء ابتدعها استحسنتها العرب واتبعته فيها الشعراء منها:

استيقاف صحبه، والبكاء في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ وتشبيه النساء بالظباء والبيض، وتشبيه الخبل بالعقبان والعصي، وقيد الأوابد، وأجاد في التشبيه وفصل النسيب وبين المعنى، وكان أحسن طبقته تشبيها، وأحسن الاسلاميين تشبيها ذو الرمة (٢).

قلت: والى ذلك أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله. وذكر امرأ القيس فقال: خسف لهم عين الشعر، وافتقر عن معان عور أصح بصر (٣).

وقد تكلم أبو سليمان الخطابي على معنى قول عمر رضي الله عنه، بما أخبرنا به المؤيد بن محمد في كتابه عن أبي عبد الله الفراوي قال: أخبرنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي قال: قال أبو سليمان الخطابي: (٣٠٠ - ظ‍) في حديث عمر أنه ذكر امرئ القيس فقال خسف لهم عين الشعر وافتقر عن معان عور أصح بصر، فسره ابن قتيبة في كتابه فقال: خسف من الخسيف وهو البئر تحفر في حجارة فيستخرج منها ماء كثير، وافتقر فتح، وهو من الفقير، والفقير فم القناة، وقوله عن معان عور يريد أن امرأ القيس من اليمن وليست لهم فصاحة.

قال أبو سليمان هذا لا وجه له، ولا موضع لاستعماله فيمن لا فصاحة له، إنما أريد بالعور هاهنا غموض المعاني ودقتها، من قولك عورت الركية، إذا دققتها، وركية عوراء، قال الشاعر:

ومنهل أعور احدى العينين … بصيره الأخرى أصم الأذنين


(١) -ديوانه:٧٨. يعني ببني أبيهم: بني كنانة. وان العقاب نزل بالأشقين.
(٢) - طبقات الشعراء لابن سلام:٢٥ - ٢٧.
(٣) - الشعر والشعراء:٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>