للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله يصف فرسا:

عظيم طويل مطمئن كأنه … باسفل ذي ماوان سرحه (١) مرقب

له أيطلا ظبي وساقا نعامة … وصهوة عير قائم فوق مرحب

له جؤجؤ (٢) … رحب كأن لجامه

يعالى به في رأس جذع مشذب

وعينان كالماوتين ومحجر … إلى سند مثل الرتاج المضبب

إذا ما جرى شأوين وابتل عطفه … يقول هزيز الريح: مرت بأثأب

كأن دماء الهاديات بنحره … عصارة حناء بشيب مخضب (٣)

قرأت في نسخة عتيقة من شعر امرؤ القيس عن أبي نصر عن أبي سعيد الاصمعي قال الفرزدق: اصابنا مطر بالبصرة جود، فلما أصبحت ركبت بغلتي وخرجت نحو المربد، فإذا أنا بآثار دواب قد خرجن الى ناحية البادية، فظننت أن قوما قد خرجوا يتنزهون وهم خلقاء أن تكون معهم سفرة وشراب، فاتبعت آثارهم حتى انتهيت الى بغال عليها رحائل موقوفة على غدير من ماء، فأسرعت المشي الى الغدير فأشرفت فإذا فيه نسوة مستنقعات في الماء الى حلوقهن (٣٠٤ - و) فقلت: لم أر كاليوم قط‍، ولا يوم دارة جلجل، ثم انصرفت فنادينني. يا صاحب البعلة ارجع نسألك عن شيء فانصرفت اليهن. فقعدن في الماء، ثم قلن: بالله ألا حدثتنا حديث يوم دارة جلجل.

قال: فأخبرهن بما كان.

قال عبد الله بن والان رجل من بني تميم، كان راوية للفرزدق، قلت للفرزدق: حدثنا أيضا به، قال: حدثني جدي وأنا يومئذ غلام حافظ‍ لما أسمع أن امرئ القيس، كان عاشقا لابنة عم له يقال لها عنيزة وأنه طلبها زمانا فلم يصل اليها، وكان يطلب الغرة من أهله ليزورها، فلم يتفق له حتى كان يوم الغدير، وهو يوم دارة جلجل، وذلك أن الحي احتملوا فتقدم الرجال، وخلفوا النساء والعبيد والعتقاء فلما رأى امرؤ القيس ذلك تخلف بعد قومه غلوة فكان في غيب من الارض حتى مرّ به النساء فاذا فتيات ومعهن عنيزة فلما وازين الغدير قلن: لو نزلنا واغتسلنا في هذا


(١) -السرحة: شجرة كبيرة، والمرقب: الموضع يرقب منه.
(٢) -الجؤجؤ: الصدر. النهاية لابن الاثير.
(٣) -ديوانه:٦٤ - ٧٣ مع فوارق كبيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>