قالوا: ولما كانت سنة تسع وثمانين اجتمع الجراجمة الى مدينتهم، وأتاهم قوم من الروم من قبل الإسكندرونة وروسس، فوجه الوليد بن عبد الملك إليهم مسلمة بن عبد الملك فأناخ عليهم في خلق من الخلق، فافتتحها على أن ينزلوا بحيث أحبّوا من الشام، ويجري على كل امرئ منهم ثمانية دنانير، وعلى عيالاتهم القوت من القمح والزيت، وهو مديان من قمح وقسطار من زيت (١)، وعلى أن لا يكرهوا ولا أحد من أولادهم ونسائهم على ترك النصرانية وعلى أن يلبسوا لباس المسلمين، ولا يؤخذ منهم ولا من أولادهم ونسائهم جزية، وعلى أن يغزوا مع المسلمين فينفلوا أسلاب من يقتلونه مبارزة، وعلى أن يؤخذ من تجاراتهم وأموال موسريهم ما يؤخذ من أموال المسلمين، فأخرب مدينتهم، وأنزلهم جبل الحوّار، وشيح اللّولون، وعمق تيزين، وصار بعضهم الى حمص، ونزل بطريق الجرجومة في جماعة معه أنطاكية، ثم هرب الى بلاد الروم، وقد كان بعض العمال ألزم الجراجمة بأنطاكية جزية رؤوسهم، فرفعوا ذلك الى الواثق بالله، وهو خليفة، فأمر باسقاطها عنهم.
وحدثني بعض من أثق به من الكتاب أن أمير المؤمنين المتوكل على الله أمر بأخذ الجزية من هؤلاء الجراجمة، وأن تجري (٨٢ - و) عليهم الارزاق، إذا كانوا ممن يستعان به في المسالح وغير ذلك.
وروى أبو الخطاب الازدي أن أهل الجرجومة كانوا يغيرون في أيّام عبد الملك بن مروان على قرى أنطاكية والعمق، واذا غزت الصوائف قطعوا على المتخلف واللاّحق ومن قدروا عليه ممن في أواخر العسكر، وغالوا في المسلمين، فأمر عبد الملك ففرض لقوم من أهل أنطاكية وأنباطها جعلوا مسالح، وأردفت بهم
(١) -في المعرب للجواليقي ٢٦٣، القسطار … بضم الكاف وكسرها هو الميزان، وليس بعربي.