للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتمعت به في البيت المقدس، وشاهدت منه وليا من أولياء الله تعالى، قد أجمع الناس كلهم قاطبة على خيره وصلاحه، صائم النهار قائم الليل، قد أثرت العبادة وقيام الليل في بدنه، نحيل البدن مصفر اللون، ذابل الشفتين، منقطع الى الله مستغن عن الناس، معرض عن الدنيا وزخرفها، دخل الشام ومر بحلب مجتازا في طريقه الى الديار المصرية في سنة سبعين وخمسمائة في دولة الملك الصالح اسماعيل ابن محمود بن زنكي، وأقام بالاسكندرية، وصحب بها الحافظ‍ أبا طاهر السلفي وخدمه، وسمع (١٥٨ - ظ‍) منه الكثير، وسمع من غيره من شيوخ الاسكندرية، مثل أبي الجيوش عساكر بن علي بن نصر المقرئ، وأبي المحاسن المشرف بن مؤيد ابن علي الهمداني وغيرهم، وكان سمع بمكة أبا الفضل يونس بن محمد بندار، ورابط‍ بعد ذلك بعكا مدة، ونزل بالخضراء وهي دويرة بناها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بعسقلان، ووقف بها الاجزاء التي سمعها، وأقام بها الى أن خربت، فانتقل الى البيت المقدس، ولزم المسجد الأقصى، وأقام بدويرة الصوفية التي قبلي المسجد الى جانب المحراب، وانقطع الى الله تعالى الى أن سلم البيت المقدس الى الفرنج في سنة ست وعشرين (١)، وانتقل منه الناس، فلم يبرح مكانه، ولزم موضعه ذلك وعبادته الى أن أدركه أجله رحمه الله، قرأت عليه الكثير من مسموعاته مدة مقامي بالبيت المقدس، وكان والدي رحمه الله يحضر معي مجلس السماع بالمسجد، وذلك في سنة تسع وستمائة، وكانت تعجبه قراءتي الحديث، أول ما حضرت عنده وطلبت السماع منه: قال لي: هاهنا من يحدث غيري فأعدت الطلب منه، فأخرج إلي جزءا، فلما قرأته مال الي وأخرج الي جميع ما كان عنده من مسموعاته، وتطفل (٢) بذلك وكان يجتمع معي جمع وافر للسماع منه رحمه الله.

أخبرنا أبو علي حسن بن أحمد بن يوسف الأوقي بالمسجد الأقصى قال: أخبرنا أبو طاهر أحمد بن محمد بن أحمد الأصبهاني بالاسكندرية قال: أخبرنا أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد بن أحمد بن محمود الثقفي رئيس أصبهان قال:

أخبرنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي قال: أخبرنا عبد الله بن يعقوب


(١) -سلم الى فردريك بربروسا ثم ما لبث ان استرده الملك الصالح أيوب بمعونة الخوارزمية مما أثار الحملة الصليبية السابعة.
(٢) -طفل الكلام تطفيلا: تدبره، والليل دنا، والشمس دنت للغروب، القاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>