للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأنها عقد قنطرة، ثم شيعوهم حتى بلغوا مأمنهم، وتوجهوا نحو الجزيرة، فتفرقوا فيها، وهدم الروم ملطيّة، فلم يبقوا منها إلا هريها، فإنهم شعثوا منه شيئا يسيرا وهدموا حصن قلوذية.

فلما كانت سنة تسع وثلاثين ومائه كتب المنصور الى صالح بن علي يأمره ببناء ملطيّة وتحصينها، ثم رأى أن يوجه عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام واليا على الجزيرة وثغورها، فتوجه في سنة أربعين ومائه ومعه الحسن بن قحطبه في جنود أهل خراسان، وقطع البعوث على أهل الشام والجزيرة، فتوافى معه سبعون ألفا، فعسكر على ملطيّة، وقد جمع الفعلة من كل بلدة، فأخذ في بنائها، فكان الحسن بن قحطبة ربما حمل الحجر حتى يناوله البناء، وجعل يغذي الناس ويعشيهم من ماله مبرزا مطابخه، فغاظ‍ ذلك عبد الوهاب، فبعث الى أبي جعفر يعلمه أنه يطعم الناس، وأن الحسن يطعم أضعاف ذلك التماسا لأن يطوله ويفسد ما يصنع ويهجنه بالإسراف والرياء، وأن له منادين ينادون الناس الى طعامه، فكتب إليه أبو جعفر رحمة الله عليه: يا صبي يطعم الحسن من ماله، وتطعم من مالي فيفضلك، ما أتيت (٩٠ - و) إلا من صغر خطرك وقصر همتك وسفه رأيك، وكتب الى الحسن أن أطعم ولا تتخذ مناديا، وكان الحسن يقول: من سبق الى شرفة فله كذا، فجد الناس في العمل حتى فرغوا من بناء ملطيّة ومسجدها في ستة أشهر وبنى للجند الذين أسكنوها لكل عرافة بيتان سفليان وعليان فوقهما واصطبل، والعرافة عشره نفر الى الخمسة عشر، وبنى لها مسلحة على ثلاثين ميلا منها، ومسلحة على نهر يدعى قباقب يدفع في الفرات، وأسكن المنصور ملطيّة أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة، لأنها من ثغورهم، على زياده عشرة دنانير في عطاء كل رجل، ومعونة مائة دينار سوى الجعل الذي تتجاعله القبائل، ووضع فيها شحنتها

<<  <  ج: ص:  >  >>