للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما للصدا إلاّ لديك انتقاع … ملكك الله جميع البقاع

وذكر قصيدة طويلة على هذه القافية يمدحه فيها قال: فتبرم العلم وجعل يكظم غيظه والسلطان قد استغرق في الضحك وجعل يستتر في البرج (١) المنصوب في الخيمة عن العلم ويجتهد أن لا يراه، وأهل المجلس منهم من خرج الى خارج الخيمة ومنهم من جعل يضحك ويخفي ذلك جهده فلما فرغ (٢٠٩ - ظ‍) من الانشاد جلس الى جانب العلم وسكت ساعة، ثم التفت اليه وقال له: يا مولانا علم الدين قال الله تعالى: «ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها (٢) قاعا»، يا علم الدين «قاع» على أي شيء انتصب؟ فصاح فيه، وقال: على كذا وكذا من عيالك وشتمه شتما قبيحا.

أخبرني عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري قال: كان العلم الشاتاني طريفا، وكان كثير المخالطة لكمال الدين ابن الشهرزوري وكان يداعبه كمال الدين، فحضر يوما عنده وسب الاسماعيلية وكفرهم، وسخف آراءهم، فسير كمال الدين رجلين من أصحابه ليفزعاه، ونزلا عليه ليلا وجذبا عليه سكينتين، وقالا له: نحن قد سيرنا سنان اليك لنقتلك، وهو يقول لك: ويلك كم تتجرأ علينا وتشتمنا وتتسمج في حقنا؟ قال: فطار عقله وجعل يتضرع اليهما ويسألهما أن لا يقتلاه ويقول: يكذب عليّ وما قلت شيئا، ومع هذا فأنا تائب ولا أعود الى شيء من ذلك أبدا، فقالا له بعد الجهد: فما يمكننا أن نمضي اليه إلاّ بعلامة أمرنا بها ليعلم أننا وصلنا اليك وقدرنا على قتلك، ولابد من قفل نقفله على أنثييك فقال لهما: العلم اقفلا ما شئتما، ولا تبطئا عليّ أكثر من يومين فأخذا قفلا وقفلاه على أنثييه، ومضيا فلما أصبح أرسل كمال الدين ابن الشهرزوري الى العلم يطلبه اليه فاعتذر عن الحضور وكتمه (٢١٠ - و) أمره، وقال: قد طلع لي دمل ولا سبيل لي الى المجئ اليك، فأرسل اليه: لابد حضورك فاعتذر، وقال: لا أطيق، فأرسل اليه محفة وقال: تحضر في المحفة، فحمل في محفة وأحضر عند القاضي كمال الدين وهو على غاية من الالم لان القفل ينحدر على أنثييه فيؤلمه، وهو بين فخذيه لا يطيق


(١) -كان صلاح الدين يجلس داخل برج خشبي خشية تعرضه للاغتيال.
(٢) - سورة طه-الآية:١٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>