للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا محبك مطوى على كمده … حري مدامعه تجري على جسده

له يد تسأل الرحمن راحة … مما به ويد أخرى على كبده

يا من رأى أسفا مستهترا أسفا … كانت منيته في عينه ويده

فجعلت الجارية تصيح: هذا والله الغناء يا سيدي، وسكر القوم وخرجوا من عقولهم، وكان صاحب المنزل جيد الشرب، حسن المعرفة، فأمر غلمانه مع غلمانهم بحفظهم وصرفهم الى منازلهم، وخلوت معه فشربنا أقداحا ثم قال لي: يا سيدي ذهب ما كان من أيامي ضائعا إذ كنت لا أعرفك، فمن أنت يا مولاي؟ فلم يزل يلج علي حتى أخبرته، فقام يقبل رأسي وقال: يا سيدي وأنا أعجب يكون هذا الادب الا من مثلك واذا إني مع الخلافة وأنا لا أشعر، ثم سائلني عن قصتي وكيف حملت نفسي على ما فعلت، فأخبرته خبر الطعام، وخبر الكف والمعصم، فقلت: أما الطعام فقد نلت منه حاجتي، فقال: والكف والمعصم، ثم قال: يا فلانة، لجارية له، قولي لفلانة تنزل فجعل (٨ - ظ‍) ينزل لي واحدة واحدة فأنظر الى كفها ومعصمها، فأقول: ليس هي، قال: والله ما بقي غير أختي وأمي والله لانزلهما إليك، فعجبت من كرمه وسعة صدره، فقلت: جعلت فداك إبدأ باختك قبل الامام فعسى أن تكون هي، فقال: صدقت فنزلت فلما رأيت كفها ومعصمها قلت: هي ذه، فأمر غلمانه فصاروا الى عشرة مشايخ من جلة جيرانه في ذلك الوقت، فأحضروا، ثم أمر ببدرتين فيهما عشرون ألف درهم، وقال للمشايخ: هذه أختي فلانه أشهدكم أني قد زوجتها من سيدي ابراهيم بن المهدي وأمهرتها عنه عشرة آلاف درهم، فرضيت وقبلت النكاح ودفع إليها البدرة، وفرق البدرة الاخرى على المشايخ، ثم قال لهم: اعذروا فهذا ما حضر على الحال، فقبضوها، ونهضوا، ثم قال يا سيدي أمهد لك بعض البيوت تنام مع أهلك فأحشمني والله ما رأيت من سعة صدره، وكرم خيمه (١)، فقلت: بل أحضر عمارية وأحملها الى منزلي، فقال ما شئت، فأحضرت عمارية فحملتها، وصرت بها الى منزلي فوحقك يا أمير المؤمنين لقد حمل إليّ جهازها ما ضاقت به بعض بيوتنا، فاولدتها هذا القائم على رأس سيدي أمير المؤمنين، فعجب المأمون من كرم ذلك الرجل وسعة صدره وقال: لله أبوه ما سمعت مثله قط‍، ثم أطلق الرجل الطفيلي


(١) -الخيم: السجية والطبيعة. القاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>