للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ارتحل الحسين من موضعه ذلك متيامنا عن طريق الكوفة حتى انتهى الى قصر بني مقاتل (١)، فنزلوا جميعا هناك، فنظر الحسين الى فسطاط‍ مضروب، فسأل عنه، فأخبر أنه لعبيد الله بن الحر الجعفي، وكان من أشراف أهل الكوفة، وفرسانهم، فأرسل الحسين إليه بعض مواليه يأمره بالمصير اليه، فأتاه الرسول، فقال: هذا الحسين بن علي يسألك أن تصير إليه، فقال عبيد الله: والله ما خرجت من الكوفة إلا لكثرة (٧٢ - و) من رأيته خرج لمحاربته وخذلان شيعته، فعلمت أنه مقتول ولا أقدر على نصره، فلست أحب أن يراني ولا أراه، فانتعل الحسين حتى مشى، ودخل عليه قبته، ودعاه الى نصرته، فقال عبيد الله: والله إني لأعلم أن من شايعك كان السعيد في الآخرة، ولكن ما عسى أن أغني عنك، ولم أخلّف لك بالكوفة ناصرا، فأنشدك الله أن تحملني على هذه الخطة، فإن نفسي لم تسمح بعد بالموت، ولكن فرسي هذه الملحقة، والله ما طلبت عليها شيئا قط‍ إلا لحقته، ولا طلبني وأنا عليها أحد قط‍ إلا سبقته، فخذها، فهي لك، قال الحسين: أما إذ رغبت بنفسك عنا فلا حاجة بنا الى فرسك.

وسار الحسين عليه السلام من قصر بني مقاتل، ومعه الحر بن يزيد، كلما أراد أن يميل نحو البادية منعه، حتى انتهى الى المكان الذي يسمى كربلاء (٢) فمال قليلا متيامنا حتى انتهى الى نينوى (٣)، فإذا هو براكب على نجيب، مقبل من القوم، فوقفوا جميعا ينتظرونه، فلما انتهى إليهم سلم على الحر، ولم يسلم على الحسين، ثم ناول الحر كتابا من عبيد الله بن زياد، فقرأه، فإذا فيه:

أما بعد، فجعجع (٤) بالحسين بن علي وأصحابه بالمكان الذي يوافيك كتابي، ولا تحلّه إلا بالعراء على غير خمر (٥) ولا ماء، وقد أمرت حامل كتابي هذا أن يخبرني بما كان منك في ذلك، والسلام.


(١) -قصر كان بين عين التمر والشام قرب القطقطانة. معجم البلدان.
(٢) -موضع في طرف البرية على مقربة من الكوفة. معجم البلدان.
(٣) -بسواد الكوفة-المنطقة التي قامت فيها كربلاء. معجم البلدان.
(٤) -أي سر به في الارض الصعبة.
(٥) -بدون شجر وظل.

<<  <  ج: ص:  >  >>