للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدا فعل ذلك قبله وقال: ان لهذه العوسجة لشأنا، ثم فعل ذلك من كان معه من أصحابه مثل ذلك، ثم قام فصلى ركعتين فعجبت وفتيات الحي من ذلك، وما كان عهدنا بالصلاة ولا رأينا مصليا قبله، فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عادية قامتها (٨٩ - و) وخضد الله شوكها وساخت عروقها وكثرت أفنانها، واخضرت ساقها وورقها وأثمرت بعد ذلك واينعت بثمر كاعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق ورائحة العنبر وطعم الشهد والله ما أكل منه-يعني-جائع إلاّ شبع ولا ظمآن إلاّ روي، ولا سقيم إلا برئ ولا ذو حاجة وفاقة إلا استغنى ولا أكل من ورقها ناقة ولا شاة إلا درّ لبنها، ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل بنا، وأخصبت بلادنا وأمرعت، فكنا نسمي تلك الشجرة «المباركة»، وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستشفون بها ويتزودون في الأسفار، ويحملون معهم في الأرضين القفار فتقوم لهم مقام الطعام والشراب، فلم تزل كذلك على ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط‍ واصفر ورقها، فأحزننا ذلك وفزعنا له، فما كان إلا قليل حتى جاء نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قد قبض في ذلك اليوم، وكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك العظم والطعم والرائحة، وأقامت على ذلك ثلاثين، فلما كان ذات يوم أصبحنا فإذا هي قد أشوكت من أولها الى آخرها، وذهبت غضارة عيدانها وتساقط‍ جميع ثمرها، فما كان إلا يسيرا حتى بلغنا مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فما أثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا فانقطع ثمرها، فلم نزل ومن حولنا نأخذ من ورقها ونداوي به مرضانا ونستشفي به من أسقامنا، فأقامت على ذلك مدة وبرهة طويلة، ثم أصبحنا يوما وإذا بها قد أنبعت من ساقها دما عبيطا جاريا وورقها ذابل (٨٩ - ظ‍) يقطر ماء كما اللحم، فعلمنا أن قد حدث حدث عظيم فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية، فلما أظلم الليل علينا سمعنا نداء وعويلا من تحتها وجلبة شديدة وضجة وسمعنا صوت باكية تقول:

يا بن الوصي ويا بن البتول … ويا بقية السادة الأكرمينا

ثم كثرت الرنات والأصوات فلم نفهم كثيرا مما كانوا يقولون، فأتانا بعد ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>