للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدثني الأديب الامام (١١٩ - ظ‍) محمد بن الهيثم بأصبهان عنه، وهو الذي سمعت شعره منه أنه كشف بذكائه سر الكيمياء المرموز، وعدم من عروس صنعته النشوز، واستخرج من معماه الكنوز، لم يزل مدة حياته مصدّرا في الدسوت موقرا بالنعوت حليفا بل جليسا أنيسا للسلاطين والملوك، محبرا بنظمه ونثره الوشي المحوك، فلما انتهت الأيام الغياثية المحمدية، واستوفت مدتها استأنفت الدولة المغيثية المحمودية جدتها، واستقر الشهاب أسعد في مكانه، وانتصب في منصب ديوانه، وكان السلطان مسعود بن محمد ملكا صغيرا، فاستوزر أبا اسماعيل، وروض به روض ملكه المحيل، وأصبح بالمؤيد مؤيدا، وبسداده مسددا حتى اتفقت بينه وبين أخيه السلطان محمود الحرب التي أودعت أهل الفضل الحرب، وفلت العلم والأدب، ولما مس عود مسعود العجم انكسر وأحجم مقدم جيوشه جيوشبك، وألقى قناع الهزيمة، وانحسر وأدرك الاستاذ رحمه الله فأسر، وطغى رأي الطغرائي في حقه، فسعى في حتفه خوفا على منصبه، فاحتال في نصبه وأعطى الرضا بعطبه، وفتك به وقت أسره، بل قدم قسرا وقتل صبرا قبل أن ينبئه بأمره وينوه بقدره، وآزر الطغرائي الوزير وعانده التقدير، ففاز بالشهادة وختم له بالسعادة وذلك (١٢٠ - و) في سنة خمس عشرة وخمسمائد فهذا من جملة من قتله فضله، ورماه بنبل الهلك نبله وألحفه رداء الردى علمه، وشامه الأدب فهام به في تيه الحيرة فهمه وحسده الدهر فاغتاله وقلص بعد السبوغ ظلاله، بل غار الزمان على مثله بين بنيه الجهال فاسترده، وأخلق من الابتهاج بفضله ما أجده، هو لا يعد في الشعراء، فهل أجل، والخاطر الآخذ في وصف جودة خاطره، ومدح أزاهيره وزواهره أكل، وإنما هو معدود من الوزراء العظماء والصدور الكبراء الذين حازوا الأقاليم بالاقلام، وزلزلوا الأقدام بالإقدام وحاطوا الممالك من المهالك، وأطلعوا سناء النصر من سماء السنابك ونالوا الآراب بالآباء، وسألوا الأولياء بالآلاء، وقادوا الكتائب بالكتب، وجادوا برواتب العوارف في عواري الرتب لا جرم لما أتلفوا عارية الثراء وتوطنوا الثراء عارين من المعاء كاسين من الفخار اعتاضوا بالثناء، وملكوا القبول من قلوب الفضلاء، وتخلدت مآثرهم مأثورة ومفاخرهم مذكورة وفضائلهم باقية ومناقبهم في أفق البقاء بعد فنائهم متلالية، فكم شاد أبو اسماعيل

<<  <  ج: ص:  >  >>