قال عمي: واتفق أني حججت وحج المخزومي ذلك العام فقمت أنا وأحمد بن الأستاذ وجماعة ومضينا الى زيارته لنسأله عن ذلك، فدخلنا عليه وسألناه عن ذلك فقال:
نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وسألته فقلت: أأنت قلت يا رسول الله: من أكل مع مغفور له غفر له؟ فقال: نعم أنا قلت من أكل مع مغفور له غفر له، قال لي عمي: ثم اجتمعنا بعد ذلك بمنبج عند الشيخ عبد الحق المغربي، وكان رجلا صالحا، وكان معنا الشيخ أبو الحسن علي الفاسي، فذكرنا له هذه الحكاية والمنام، فلما فرغنا دخل علينا عقيب ذلك الشيخ حماد البوازيجي، وكنا قد سمعنا عنه أنه ما رؤي وهو يأكل، فأحضر شيء من الطعام فقلنا له: تأكل معنا؟ فقال: نعم من أكل مع مغفور له غفر له، بصوت عال مرتفع، فقال الشيخ علي الفاسي: هذه والله كرامة للشيخ حماد.
نقلت من خط أبي البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل الذي جمعه: حماد بن محمد بن جساس البوازيجي، أبو الشكر من المشهورين أقام بالبوازيج ومات بها وقبره فيها، شيخ البوازيج في الانقطاع من أصحاب عدي بن مسافر، إلا أنه اشتهر، فترك النسبة الى عدي وأصحابه، فصار بينه وبين أصحاب عدي مباينة عظيمة ومنافرات أدت كثيرا الى وقائع وفتن، تردد كثيرا الى إربل، وكان الناس يتلقونه من فراسخ ويغشاه الأكابر، ويتردد إليه السلطان أبو سعيد كوكبوري بن علي، وكان من يتولى البوازيج يتأذى به لانقياد الناس العامة إليه، وكان كثير من البوازيجيين يرمونه بكثرة المال، حدثت أنه في مبدأ عمره التام كان يقطع الطريق، قال: وكان من دخل عليه زاويته في البوازيج يحضر له ما تيسر من مأكول، وكان الناس يهدون له في كل سنة هدايا كثيرة من بقر وغنم وغير ذلك فيطعمها من حضره في نصف شعبان.
أجاز لنا أبو السعادات بن أحمد بن المستوفي-ونقلته من خطه-قال: وحدثت أنه كان إذا رقا أحدا قال: اللهم إنك تعلم أني عبد لا أضر ولا أنفع، وعن أذى بقة لا أدفع، اللهم فتحسن ظنهم فينا، عافيهم وعافينا.
قال: وأنشدني غير مرة ولم يسم قائلهما، ووجدتهما لأبي سعد بن دوست:
عليك بالحفظ دون الكتب … تجمعها فإن للكتب آفات تفرقها