سمعت بعض بني عبد الرحيم يقول لي: إن حمدان كان سير من حلب رسولا الى مصر في أيام الآمر بن المستعلي، وكان من عادة الرسل أنهم يجتمعون بالآمر ويجلسون بين يديه فلم يستحضر (٢٧٧ - و) حمدان لأنه نقل اليه انه حشيشي (١) فكتب اليه أبيات يطلب الحضور وتنصل مما قرف به عنده، فأذن له الآمر فلما مثل بين يديه ارتجل وقال:
سلام ورضوان وروح ورحمة … على الآمر الطهر الذكي المناسب
إمام إذا جاد الحجاب لنابه … أثرنا ثرى أقدامه بالحواجب
أخبرنا أبو الفوارس حمدان بن عبد الرحيم بن سعيد بن عبد الرحيم قال:
حدثني والدي عبد الرحيم بن سعيد قال: كان عمي الرئيس أبو الفوارس حمدان قد قرأ على الشيخ أبي الحسن بن أبي جرادة النحو واللغة وعلم الهندسة والنجوم وغير ذلك، واتفق له أن خرج الى معراثا الأثارب، وهي ملكه وكانت في يد الفرنج اذ ذاك فمرض صاحب الأثارب سير منويل، وهو ابن أخت صاحب أنطاكية، فدخل اليه وعالجه حتى برأ، فلما أبل من مرضه سيّر سير منويل الى حمدان وقال له:
تمنّ، فطلب منه قرية، فأعطاه معربونية، فسكن فيها مدة ثلاثين سنة وعمرها واتخذها منزلا، فأرسل اليه الشيخ أبو الحسن بن أبي جراده يعتبه على مقامه تحت أيدي الفرنج ويلومه على ذلك فكتب اليه:
وقائل عائب لي إذ رأى شغفي بقرية … ليس سكناها من الشرف
ماذا دعاك الى هذا فقلت له … صروف دهر وصرف الدهر غير خفي
(١) -أي من أتباع الدعوة الاسماعيلية الجديدة التي أسسها حسن الصباح وكانت معادية للفاطميين المستعلية في القاهرة تمارس ضدهم وضد سواهم الاغتيال السياسي الطفوسي. انظر حولهم كتاب الدعوة الاسماعيلية الجديدة الذي ترجمته الى العربية ط. بيروت ١٩٧١.