للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لك ذنب وإنما الذنب لي حيث نسبت لك في هذا الأمر، فوجم خالد وندم ندامة عظيمة وشق عليه مواجهة الشيخ اسماعيل له بما واجهه به من الكلام الذي أغلظ‍ له فيه، ثم إنه أعلم نور الدين بمجيئه وانفصاله عن الجهة فأحضره نور الدين مجلسه وأجلسه، ودفع إليه ورقة ودواة، وقال له: اكتب فيها شيئا.

قال خالد: فأخذت الورقة وكتبت فيها سطرين، وأنا تارك من المرض الذي لحقني، فكتبت فيها سطرين لم أكتب مثلهما قط‍ في الجودة، وكان ذلك ابتداء السعادة، قال: فأخذهما نور الدين وتأملهما واستحسنهما وكتب تحتهما بخطه نقلا منهما، ثم أمر ان يكون في صحبته واستكتبه، وقرر له رزقا يستعين به، ثم ارتفع أمره عنده وازدادت منزلته، وعلت مرتبته، وجعل أمره يترقى الى ان كان منه ما كان رحمه الله. حكي لي معنى ما ذكرته وأظنه والله أعلم أسنده (٥٥ - ظ‍) الى الخطيب هاشم خطيب حلب.

قرأت في كتاب خريدة القصر، تأليف عماد الدين أبي عبد الله محمد الكاتب الاصبهاني، وأجازه لي صديقنا أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن أبي الحجاج قال:

أخبرنا العماد الكاتب في ترجمة أبي عبد الله محمد بن نصر بن صغير القيسراني قال:

ولما وصلت الى الشام والتبست بخدمة نور الدين وجدت موفق الدين خالدا ولد أبي عبد الله القيسراني صدر مناصبها، وبدر مراتبها وجمعت بيني وبينه الصحبة، لانه كان مستوفي المملكة وأنا منشئها تارة ومشرفها أخرى، فلما سيره نور الدين الى مصر قمت بجميع الامور بعده وكان نور الدين قد رفعه واصطنعه، وبلغ به مبلغا من الامر كأنه اشركه في ملكه، وقد كان حقيقا بذلك لبيقا به، وما زلنا سفرا وحضرا تتناشد أشعار أبيه حتى لعله قد أتى في الانشاد على معظم شعر والده، وكان قد بلغ الى حد خدمه ممدوحو والده، وقصدوه ورجوه واجتدوه، وكأنه أنف من مدح والده لهم وكره لنفسه كيف قصدهم وأملهم (١).

أخبرني فخر الدين ابراهيم بن خالد بن محمد بن نصر القيسراني أن أباه خالدا توفي في يوم الجمعة رابع عشر جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانين وخمسمائه، ودفن


(١) - الخريده- قسم الشام:١/ ١٢٥ - ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>