للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما استطار كل واحد منهما في صاحبه قال البعيث (١٣٦ - ظ‍):

أشار كتني في ثعلب قد أكلته … فلم يبق إلا رأسه وأكارعه

فدونك خصييه وما ضمت استه … فإنك رمام خبيث مرتعه

قال: وسقط‍ البعيث بينهما، ولج الهجاء نحوا من أربعين سنة، ولم يغلب واحد منهما على صاحبه، ولم يتهاج شاعران في العرب في جاهلية ولا إسلام بمثل ما تهاجيا به، وأشعارهما أكثر من أن نأتي عليها، ولكنما نكتب منها النادر (١).

أخبرنا محمد بن هبة الله القاضي-فما أذن لنا فيه-قال: أخبرنا أبو القاسم ابن أبي محمد قال: قرأت في كتاب محمد بن محمد بن الحسن الديناري بخط‍ بعض أهل الادب: وجدت بخط‍ أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني-وأجازه لي- قال أخبرنا أبو الحسن الأسدي قال: حدثنا حماد-يعني-ابن اسحاق الموصلي عن أبيه قال: حدثني مروان بن أبي حفصة قال: هجا البعيث بطنا من باهلة يقال لهم بنو صحب، فاستعدوا عليه ابراهيم بن عربي في خلافة الوليد بن عبد الملك فضربه بالسياط‍ وأمر به فطيف به في سوق حجر مجلودا فقال جرير يهجوه:

لئن هجوت بني صحب لقد تركوا … للأصبحية في جنبيك آثارا

قوم هم القوم لو عاد الزبير بهم … لم يسلموه وزادوا الحبل أمرارا

وكان البعيث وجرير والفرزدق يومئذ أحدّ ما كانوا في الهجاء، فخرج البعيث مراغما لابراهيم بن عربي لما صنع به فلحق بالشام ونزل البادية (١٣٧ - و) فجاور بني القعقاع أخوال الوليد بن عبد الملك، ومدحهم وهجا ابن عربي، وجعل جرير والفرزدق يهجوانه فروت العرب أشعارهما وخمل شعره لاعتزائه، فقال البعيث مما كان يهجو ابن عربي:

ترى منبر العبد اللئيم كأنما … ثلاثة غربان عليه وقوع

قال: فكان بعد ذلك ابن عربي اذا صعد المنبر تغامز به الناس، واذا رأى ابن عربي غرابا ساقطا يقول: لعنة الله على البعيث.


(١) -طبقات لشعراء لابن سلام:١٣٤ - ١٣٦ مع فوارق.

<<  <  ج: ص:  >  >>