للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمراء (١) البحرية بملك دمشق وتحدث معهم في ذلك وبلغ الملك الناصر ذلك فاستشعر منه وطلب الاذن في المسير إلى بغداد وسار اليها فلم يؤذن له بالدخول اليها فمضى إلى الحلة، وكان له بها جوهر نفيس أودعه في الديوان فلم يسمحوا له به وصالحوه على أن اطلقوا له ذهبا وطلب العود إلى الشام، وسمح الملك الناصر له في ذلك فعاد إلى جهة الكرك واتصل بالعربان في تلك الناحية وتوهم منه الملك المغيث صاحب الكرك فعمل عليه حتى قبضه وسجنه، واتفق وصول التتار إلى بغداد، فسير المستعصم رسولا في طلبه ليقدمه على العساكر ويلتقي التتار، فوصل الرسول وأخرجه من السجن وقدم به إلى دمشق وأنزل بالبويضا من الغوطة، ووصل الخبر باستيلاء التتار على بغداد فأقام بالبويضا (٢)، ووكل الملك الناصر به بعض الأمراء وهو نازل في دار بالبويضا كانت لعمه مجير الدين يعقوب بن الملك العادل واجتمعت به فيها غير مرة، ولم يزل بها إلى أن مات رحمه الله، وكان فاضلا أديبا شاعرا مجيدا فقيها متكلما شجاعا حسن المحاضرة دمث الأخلاق، فصيح اللسان جميل الصورة.

أنشدني مقاطيع وقصائد من شعره بنابلس وبحلب وبدمشق وكان قبل ذلك قد اجتاز بناحية بزاعا وبمنبج (٢٩٠ - و) متوجها إلى البلاد الشرقية إلى خدمة عمه الملك الكامل في سنة ثلاث وثلاثين وستمائة.

أنشدني الملك الناصر داوود بن عيسى بنابلس في أرض بلاطه، وقد خرج إلى لقائي وقد توجهت رسولا إلى مصر، لنفسه يخاطب الله سبحانه وتعالى:

يا من تردى بالجلال جماله … وله من الأنوار حجب تبهر

مالي اليك وسيلة أنجو بها … يوم المعاد إذا أزمّ المحشر

إني لمعتذر بذنبي غافل … فيما يقربني إليك مقصر

لكنني أرجو لكل كبيرة … ثقتي بعفوك إن عفوك أكبر

وإذا الملوك تكثرت بعد يدها … ألفيتني بسواك لا أتكثر

وإذا طغت وبغت بما خوّلتها … أقبلت نحوك خاضعا استغفر


(١) -من المماليك الذين خرجوا من مصر أيام أيبك، وكان من بينهم بيبرس، وعرفوا بالبحرية لان معسكرهم أقامه الصالح أيوب في جزيرة الروضة على بحر النيل.
(٢) -انظر حولها غوطة دمشق:٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>