ولما كان في اليوم الثاني في ذلك الوقت عاد انفتح ذلك الباب، ولكن كان أضيق من الاول، وخرج من شيء كاللسان، ينعطف ويتطوق، ونزل الفرنج غربي البلد، وغربي قويق ومعهم علي بن سالم بن مالك، وصاحب بالس أخو بدر الدولة فقطعوا الشجر، وأخربوا المشاهد الظاهرة، وكان عدد الخيم ثلاثمائة خيمة مائة للمسلمين، ونبش الفرنج القبور وأخربوا الموتى بأكفانهم، وعمدوا الى من كان طريا فشدوا الحبال في أرجلهم وسحبوهم مقابل المسلمين (١).
أخبرني القاضي عز الدين أبو علي حسن بن محمد بن اسماعيل القيلوي قال:
حدثني والدي قال: أخبرني الشيخ أبو سعد بن النعماني قال: كان المسترشد قد جمع أرباب دولته وسيرهم في الصلح بينه وبين دبيس، واتفق ان ابن أبي العودي الشاعر دخل على دبيس في ذلك اليوم وكنت حاضرا الجلس فأنشده قصيدة أولها:
«جدك يا تاج الملوك قد علا» حتى بلغ الى قوله:
دونك صفين فهذي قد أنت … آل زياد والحقوق تقتضى
قال: فتغيرت وجوه الجماعة أصحاب المسترشد، وتغير وجه دبيس وأمر بصفعه فصفع وأخرج من بين يديه وحبس وأمر بالجماعة فأنزلوا في الدور، وأكرموا غاية الاكرام، وحمل اليهم كلما يحتاجون اليه، فلما أتى الليل أخرجه من الحبس خلوة وقال له: ويحك أنا قد اجتهدت حتى ينتظم الصلح بيني وبين (٣١٠ - و) الخليفة وقد أرسل أرباب دولته لاتمام هذا الامر فجئت أنت وقلت ما قلت لتفسد الحال فأنشده:
هم زرعوا العداوة لا لجرم … فدونك واصطلهم بالحصاد
ولا ترهب قعاقعهم فليست … قعاقعهم سوى لبس السواد
إذا لي تشف في الدنيا غليلا … فتذخره إلى يوم المعاد
(١) -انظر تاريخ العظيمي:٣٧٠ - ٣٧٤. ولمزيد من التفاصيل انظر تاريخ وليم الصوري بترجمتي-ط. بيروت ١٩٨٩ ج ٢ ص ٦٢٧ - ٦٣١.