للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا فقر أذل من الطمع، ولا عبادة أحسن من الخشوع، ولا زهد خير من القنوع، ولا حياة أطيب من الصحة، ولا حارس أحرس من الصمت، ولا معيشة أهنأ من العافية، ولا غائب أقرب من الموت.

حدثني عمي أبو غانم محمد بن هبة الله بن أبي جرادة وكتبه لي بخطه قال:

قال لي الشيخ ربيع بن محمود: كنت مع فقراء في البرية في طريق مكة فتمشيت معهم وأبعدنا أمام الحاج، فقال بعضنا: والله كنا نشتهي في هذا الموضع رطبا، فقال فقير من الجماعة: وتريدون ذلك؟ فقلنا: نعم، فمضى وتوارى عنا فجاءنا برطب رطب وما على الارض رطبة واحدة فأكلنا (٣٥ - ظ‍).

أنشدني أبو الحجاج يوسف بن أبي طاهر بن علي الجزري قال: سمعت الشيخ ربيع ينشد هذين البيتين، ونحن سائرون من مكة الى المدينة ولم نسمعه ينشد غيرهما، وكان لا يرى إنشاد الشعر ولا سماعه وإذا سمع أحدنا ينشد بيتا ينكر عليه والبيتان.

ليال وأيام تمر حواليا … من الوصل ما فيها لقاء ولا وعد

إذا قلت هذي مدة قد تصرمت … أتت مدة أخرى تطول وتمتد

أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي سعد الحلبي قال: كان الشيخ ربيع من أهل ماردين وحكى لي أنه مضى الى البيت المقدس ليزوره وهو اذ ذاك في يد الفرنج، قال: وكنت أعيش من عمل الفاعل، وكنت أعرف بماردين جماعة من النصارى، فنزلت عندهم في القدس وكنت أعمل عند الرهبان لأنهم لا يمنعوني من الصلاة وكنت أقتات مما يحصل لي من الأجرة، وآخذ ما يفضل لي من الأجرة وأزور به الصخرة، وأزن للذي (٣٦ - و) على باب الصخرة لأخذ الجعل من المسلمين قرطسيا في كل مرة، وكلما فضل لي شيء فعلت به هكذا، ودخلت الى الصخرة وزرت وصليت، فكنت في بعض الأوقات لا أجد شيئا فجئت إليه يوما وليس معي شيء فقال: هات فقلت: ما معي شيء، فقال: ادخل، فأنكر عليه النصارى وقالوا له: كيف تترك هذا الرجل يدخل ولا تأخذ منه شيئا؟ قال: انه كان يؤدي الذي يؤديه من وسط‍ قلبه، فلو كان معه شيء لأداه فلهذا تركته.

<<  <  ج: ص:  >  >>