للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنعوا الخطباء من الخطبة مستصرخين بالعساكر الاسلامية على الفرنج، وكسروا بعض المنابر، فجهز السلطان محمد بن ملكشاه مودود صاحب الموصل وأحمديل الكردي، وسكمان القطبي في عساكر عظيمة ضخمة، ومات سكمان قبل وصوله الى حلب، ووصلت العساكر الى حلب، فأغلق رضوان أبواب حلب في وجوههم، وأخذ الى القلعة رهائن عنده من أهلها لئلا يسلموها، ورتب قوما من الجند والباطنية الذين في خدمته لحفظ‍ السور، ومنع الحلبيين من الصعود اليه، وضبر (١) انسان من السور (٩٣ - و) فأمر به فضربت عنقه، ونزع رجل ثوبه ورماه الى آخر، فأمر به فألقي من السور الى أسفل، وبقيت أبواب حلب مغلقة سبع عشرة ليلة، وأقام الناس ثلاث ليال لا يجدون ما يقتاتونه، وكثرت اللصوص، وخاف الأعيان على أنفسهم، وساء تدبير الملك رضوان، فأطلق العوام ألسنتهم بسبه وتعييبه وتحدثوا بذلك فيما بينهم، فاشتد خوفه من الرعية أن يسلموا البلد، وترك الركوب بينهم.

وبث الحرامية تتخطف من ينفرد من العساكر فيأخذونه. وعاث العسكر فيما بقي سالما ببلد حلب بعد نهب الفرنج له، ورحل العسكر الى معرة النعمان بعد استيلاء الفرنج عليها في آخر صفر من سنة خمس وخمسمائة وأقاموا عليها أياما، وقدم عليهم أتابك طغتكين، فراسل رضوان بعضهم حتى أفسد ما بينهم، وظهر لأتابك طغتكين منهم الوحشة، فصار في جملة ممدود (٢)، وثبت له ممدود، ووفى له، وحمل لهم أتابك هدايا وتحفا، وعرض عليهم المسير الى طرابلس والمعونة لهم بالأموال، فلم يعرجوا، وسار أحمديل وبرسق بن برسق، وعسكر سكمان الى الفرات، وبقي مودود مع أتابك، فرحلا من المعرة الى العاصي، فنزلا على الجلالي، ونزل الفرنج أفامية: بغدوين، وطنكريد، وابن صنجيل، وساروا لقصد المسلمين، فخرج أبو العساكر سلطان بن منقذ من شيزر (٩٣ - ظ‍) بأهله وعسكره، واجتمعوا بمودود وأتابك، وساروا الى الفرنج، ودارت خيول المسلمين حولهم ومنعوهم الماء، والأتراك حول الشرائع بالقسي تمنعهم الورد، فأصبحوا هاربين سائرين يحمي بعضهم بعضا.


(١) -أي قفز، هذا وأودع ابن القلانسي في كتابه تاريخ دمشق أوسع التفاصيل عن حملة مودود هذه وعما آلت اليه باغتيال مودود في جامع دمشق:٢٧٨ - ٢٩٩.
(٢) -كذا بالاصل والاسم الاكثر شيوعا: مودود.

<<  <  ج: ص:  >  >>