فينكر عليه الفقهاء ذلك لما فيه من منافاة مذاهبهم ومخالفة الشرع، وكان قد نزل مسجدا ظاهر الموصل، وكان القاضي فخر الدين أبو الرضا بن الشهرزوري يزور روزبهار (١٢٩ - ظ) كثيرا، وكان إمام أهل الموصل في الفقه، قال: فأنكروا عليه ذلك، وقلنا له: أنت سيد الفقهاء وقدوة العلماء، وتزور هذا الرجل مع ما هو عليه من الامور المضادة لقاعدة الشريعة، وانتمائه الى ما ليس له قاعدة؟ فقال لنا:
إعلموا أنني كنت ليلة النصف من شعبان-أو قال ليلة القدر الشك مني-مستقبل القبلة وأنا قاعد أحيي الليلة، فأغفيت وأنا جالس، فرأيت الملائكة في النوم قد نزلوا من السماء ومعهم أنوار عظيمة ومعهم علم، فسألتهم: إلى أين؟ فقالوا:
إلى زيارة روزبهار، فقلت: وأنا أصحبهم، ومشيت صحبتهم فجاؤوا إلى المسجد، وسطعت الأنوار، فدخلنا فوجدنا روزبهار مستقبل القبلة وهو يصيح على جاري عادته، فسلّم عليه الملائكة، وصافحوه وانصرفوا واستيقظت، وقلت في نفسي، لا بد من زيارة هذا الرجل، فلما أصبحت وفتحت أبواب الموصل، خرجت إلى المسجد الذي هو نازل به، ودخلت المسجد فوجدت روزبهار مستقبل القبلة على الحال التي رأيته عليها في النوم، وهو يصيح، فجلست في جانب المسجد إلى أن سكن صياحه، ثم التفت إلي وقال: تزورنا في الليل وفي النهار فقلت ما بقي بعد هذا شيء فأنا أزوره لذلك.
سمعت أبا بكر محمد بن الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري يقول لي: أخبرني أبي-ولي من أبيه إجازة-قال:(١٣٠ - و) قال: أخبرني جدّك لأمّك عبد الكافي بن بدر بن حسان الأنصاري قال: كان الشيخ روزبهان-يعني- ابن أبي بكر الفارسي رضي الله عنه إذا حضر يوم الجمعة إلى الجامع يذكر بصوت عال جهوري، فكنت في بعض أيام الجمع في جامع عمرو بن العاص بمصر والخطيب يخطب على المنبر إذ صاح الشيخ روزبهان صياحا كبيرا على عادته، فقال بعض الحاضرين: لقد آذانا هذا الشيخ بصياحه وشوش علينا في مثل هذا الوقت، وقام مبادرا، ورفع يده ليضربه، فبقيت يده معلقة في الهواء، ولم يستطع أن يصل بها اليه.