منهم في قتال الملك الناصر مرّة بعد أخرى في أيام الملك الصالح اسماعيل بن نور الدين وفي أيام عماد الدين (٢١٦ ظ) زنكي وصرخ العوام بسبه ونزل عماد الدين زنكي من قلعة حلب يوم الخميس ثالث وعشرين من صفر من سنة تسع وسبعين وخمسمائة ورتب فيها طمان إلى أن يتسلم نواب عماد الدين ما اعتاض به عن حلب واستنابه في بيع جميع ما كان في قلعة حلب حتى باع الأغلاق والخوابي، واشترى الملك الناصر منها شيئا كثيرا، ونزل عماد الدين في ذلك اليوم الى السلطان الملك الناصر، وعمل الملك له وليمة واحتفل، وقدّم لعماد الدين أشياء فاخرة من الخيل والعدد والمتاع الفاخر، وسار عماد الدين نحو بلاده حتى نزل مرج قراحصار، وسار الملك الناصر وشيّعه ورجع.
سمعت عمي أبا المعالي عبد الصمد بن هبة الله بن أبي جرادة قال: نقل عز الدين صاحب الموصل من حلب حين ملكها جميع ما في قلعة حلب من الذخائر والسلاح والأموال إلى الرقة، وصانع عماد الدين على أن يأخذ منه سنجار وأعطاه حلب، فقدم عماد الدين إلى حلب مجدّا في السير على البرية.
قال لي عمي: فخرجت أنا ووالدك والتقيناه وقدم من ناحية الأحص، ودخل حلب وأقام بها فلم يجد في قلعتها من الذخائر والأموال إلاّ القليل، فبلغ الملك الناصر فقال: أخذنا والله حلب، وكان لما بلغه تسلم عز الدين حلب قال:
خرجت حلب من أيدينا، فقيل له: كيف؟ قلت في عز الدين لما أخذها خرجت حلب عن أيدينا، وقلت في عماد الدين أخذنا حلب، فقال: لأن عز الدين ملك صاحب رجال ومال (٢١٧ - و) وعماد الدين لا رجال ولا مال، وجاء الملك الناصر ونازل حلب فقال له عماد الدين امض الى سنجار وخذها وأنا أدفع إليك حلب وتعطيني سنجار، فرحل عنها الملك الناصر بعساكره ونازل سنجار وفتحها، وعاد الملك الناصر ونزل على حلب وبها الأمراء الياروقية في قوتهم وعدتهم، فسعى الأمير طمان بين عماد الدين والملك الناصر وصالحه على أن يعطيه سنجار ويأخذ حلب، ولم يعلم أحد من الأمراء وأهل البلد إلاّ وأعلام الملك الناصر على قلعة حلب، فشق عليهم ذلك، وجرى على الياروقيه أمر عظيم وخافوا على أخبازهم، وكذلك على أهل البلد لأن الملك الناصر كان قد حاصرها في أيام الملك الصالح ورأى من قتالهم ونصحهم مالم