ولما مات سابق وعرف بنو كلاب تخلفه اجتمعوا الى أخيه وثاب، وحسنوا له أخذ حلب، وانضاف إليه أخوه شبيب بن محمود، ومبارك بن شبل ابن خالهما؛ فسير سابق واستدعى أحمد شاه أمير الأتراك، وكان في ألف فارس، واستعان به، فأنفذ الى رجل من الأتراك يعرف بمحمد بن دملاج كان نازلا في طريق بلد الروم في خمسمائة فارس، وضمن له مالا، فوصل ابن دملاج في يوم الأربعاء مستهل ذي القعدة من سنة ثمان (١٤٣ - ظ) وستين وأربعمائة، وتحالفوا، وخرجوا الى وثاب وبني كلاب في يوم الخميس مستهل ذي الحجة، وكان بنو كلاب في جمع يقارب سبعين ألف فارس وراجل، وكانوا بقنسرين فعندما عاينوا الأتراك، انهزموا من غير قتال، وخلفوا حللهم، وأموالهم، ونسائهم وأموالهم، فغنم أحمد شاه وابن دملاج وأصحابهما جميع ذلك، فيقال إنهم أخذوا لهم مائة ألف جمل، وأربعمائة ألف شاة، وسبوا من حرمهم الحرائر، وإمائهم وعبيدهم مالا يحصى كثرة، وعادوا بالأسرى الى حلب، فأطلقهم سابق، وأنزل أخته زوجة مبارك بن شبل في دار وأكرمها.
فسار وثّاب ومبارك بن شبل الى السلطان ملك شاه بن ألب أرسلان، وشكوا حالهم، وسألوا منه أن يعينهم على سابق، فوعدهم وأقطعهم في الشام، وأقطع الشام أخاه تتش، فسار ومعه جموع الترك ووثّاب ومبارك بن شبل، وصل إليه بنو كلاب، فنزل على حلب سنة إحدى وسبعين وأربعمائة، ووصل إليه أبو المكارم مسلم بن قريش، ونزل معه عليها، وكان هواه مع سابق، فكان يسيّر إليه بما يقوي نفسه، وينكر على بني كلاب خلطنهم، ودام الحصار ثلاثة أشهر. وأحس أبو المكارم بتغير النية فيه، وتحقيق التهمة به من مراسلة سابق وأهل حنب، فاستأذن تاج الدولة في الرحيل، ورحل وجعل رحيله وعبوره وبعسكره على باب حلب، وباع (١٤٤ - و) أصحابه أهل حلب كلما كان في عسكره عصبية وتقوية لهم، وقوى نفوسهم ونفس سابق، وسار بعد أن قوي أهل حلب بما ابتاعوه من عكسره بعد الضعف الشديد الى بلاده، ورحل معظم بني كلاب، وبقي مع تاج الدولة تتش من بني كلاب وثّاب وشبيب أخو سابق ومبارك بن شبل في عدد يسير، فأشار عليهم أبو المكارم بن قريش بالاحتياط على أنفسهم أو الهرب الى حلب، وكاتبهم سابق،