القفل، والقفل شعب مسيرته أربعة أميال، ثم يفضي الى مرج رحب فسيح، يليه خليج قسطنطينية، فنزل على نهر عظيم كثير الماء، والعدو نزول على ذلك النهر، فكتب الطاغية الى بطارقته، أن انزلوا القفل، ولتكن الرجالة منتظمة حتى تملأ القفل، والعدو يحول بين المسلمين وبين أن ينالوا شيئا من العلوفة، وقد ضيق على المسلمين (٢١٢ - ظ) غاية التضييق وليس لهم ملجأ ولا مسلك، فلما اشتد بالمسلمين ما هم فيه من الجهد، كتب أمير المؤمنين كتابا الى الطاغية يطلب المهادنة، وبذل له كل أسير وأسيرة، وأنه يبني ما هدم من الحصون التي خرّبها في مسيره، فأبى عليه، واشتدت شوكة العدو، وطمعوا كل مطمع، وضعفت خيول المسلمين، ونخبت قلوبهم، فلما رأى الرشيد ذلك، فزع الى الأشياخ من أهل الثغور، فجمع ابراهيم بن محمد الفزاري، ومخلد بن الحسين، ولم يكن في أيامهما لهما نظير في الديانة والفضل والعلم، فقال له ابراهيم بن محمد: يا أمير المؤمنين خلّفت الرأي خلف القفل، ولكل مقام مقال، ومخلد يصير الى أمير المؤمنين، وتفرق القوم على ذلك، فلما كان في الليل صار أمير المؤمنين الى مخلد بن الحسين معظما له، وكان مخلد من عقلاء الرجال، فقال: يا أمير المؤمنين أصير إليك في ليلتنا إن شاء الله، ومضى مخلد الى ابراهيم بن محمد الفزاري فأرسلا الى سالم البرنسي، من أشجع أهل زمانه من السند، فخليا به، واستعلما ما عنده من الرأي، فأعلمهم أنه لا يجتمع معهما عند أمير المؤمنين، وأنه يحتاج الى ما كان في خزائن أمير المؤمنين من كسوة وطيب وطعام ومال، وأنه يحتاج أن يظهر العصيان والمحاربة هو وأهل الثغور لأمير المؤمنين ولأصحابه، فما كان عند أمير المؤمنين من عدة، وأنه يحمل أصحابه على صدق المحاربة، فمضى مخلد بن الحسين الى أمير المؤمنين بذلك، فأجابه الى ما سأل، ودفع إليه (٢١٣ - و) ما أراد، وباكر سالم القتال، واعتزل أهل الثغور عن قرب أمير المؤمنين، وتلاحم القوم بينهم الحرب، وغرقت (١) دواب وخرّقت مضارب وزحف سالم البرنسي بمن معه من أهل الثغور، حتى نزل بالقرب من معسكر الروم، وبعث يطلب منهم الأمان، ويطمعهم في أمير المؤمنين ومن معه، وفي كل ذلك تجيء الرسل الى سالم يسألونه الرجوع الى أمير المؤمنين، وتحمل إليه