منزلا لصحة تربتها، واختار المقام بها على دمشق، ومنهم عمر بن عبد العزيز رحمه الله أقام بخناصرة واتخذها له منزلا، ومنهم مسلمة بن عبد الملك سكن بالناعورة، وابتنى بها قصرا وبناه بالحجر الصلد الاسود، وبقي ولده به بعده، وكان صالح بن علي بن عبد الله بن عباس قدولي الشام جميعه، فاختار حلب لمقامه، وابتنى له بظاهرها قصر بطياس وهو من غربي النيرب وشماليه، وولد له به عامة أولاده، كل هذا لما اختصت به هذه البلاد من الصحة والاعتدال، وكذلك الحصانة.
فانني قرأت في كتاب نسب بني العباس تأليف أبي موسى هرون بن محمد بن اسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس:
أن ابراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس لما مات وكان أولاده (١٨٠ - و) بفلسطين قال: فأمر الرشيد عبد الملك بن صالح بحمل ولد ابراهيم جميعا من فلسطين الى حلب من مال أمير المؤمنين لاجتماع ولد صالح بن علي بها ولأنها حصينة منيعة، وأن يجري عليهم من الأرزاق ما أمر به لهم، فحملهم عبد الملك بن صالح جميعا من فلسطين الى حلب، فلم يزالوا بها الى أن توفي الرشيد، ثم افترقوا.
وأما غير هؤلاء من الملوك العظام أرباب الممالك الواسعة والبلاد الشاسعة الذين تركوا سائر بلادهم، واختاروا المقام بحلب قرارا، وجعلوها مسكنا لهم ودارا، فأكثر من أن يحصون، وهذا هرقل على سعة مملكته واستيلائه على بلاد الروم وبلاد الشام جميعها اختار المقام بأنطاكية، وكان كما ذكرنا عنه أنه كلما حج بيت المقدس، خلف سورية وهي شام حلب وقنسرين وعملهما وطعن في أرض الروم التفت اليها فقال: عليك السلام يا سورية تسليم مودع ولم يقض منك وطره، وهو عائد، ولما فتحت قنسرين، وسار نحو القسطنطينية التفت وقال: عليك السلام يا سورية سلام لا اجتماع بعده.