وخرج بها معه الى بلاد الروم (١) وكان محترما بها، فجرى بينه وبين فقيه من كبار الفقهاء كلام، فرفع الكاساني المقرعة على ذلك الفقيه، وتأذى ملك بلاد الروم من ذلك ولم يقل له شيئا، وكان يركب الحصان إلى أن مات، وله رمح يصحبه في الحضر والسفر، وعنده نخوة الإمارة وعزة النفس.
وسير من الروم رسولا إلى حلب إلى نور الدين محمود بن زنكي، فعرض عليه المقام بحلب والتدريس بالمدرسة الحلاوية، فأجابه إلى ذلك، ووعده أن يعود إلى حلب بعد رد جواب (٢٣ - و) الرسالة، فعاد إلى الروم وأعاد الجواب على ملك الروم، ثم قدم حلب فأكرمه نور الدين محمود بن زنكي وولاه التدريس بالمدرسة الحلاوية المعروفة بمسجد السراجين، وفوض إليه نظرها، وزاوية الحديث بالشرقية بالمسجد الجامع، فحدث بالزاوية المذكورة عند خزانة الكتب، ودرس بالمدرسة المذكورة وبالجاولية، وكان حريصا على تعليمم العلم ونفع الطلبة، وكان فقيها عالما صحيح الاعتقاد، كثير الذم للمعتزلة وأهل البدع يصرح بشتمهم ولعنهم في دروسه، وصنف كتبا في الفقه والأصول منها كتابه في الفقه الذي وسمه «ببدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» رتبه أحسن ترتيب وأوضح مشكلاته بذكر الدلائل في جميع المسائل، ومنها كتابه الذي وسمه «بالسلطان المبين في أصول الدين» وكان مواظبا على ذكر الدرس ونشر العلم.
حدثني والدي رحمه الله قال: كان علاء الدين الكاساني كثيرا ما يعرض له النقرس في رجليه والمفاصل، فكان يحمل في محفة من منزله بالمدرسة، ويخرج الى الفقهاء بالمدرسة ويذكر الدرس ولا يمنعه ذلك الألم من الاشتغال، ولا يخل بذكر الدرس، وكانت زوجته فقيهة فاضلة تحفظ التحفة من تصنيف والدها، وتنقل المذهب وربما وهم الشيخ في الفتوى في بعض الأحيان، فتأخذ عليه ذلك الوهم وتنبهه على وجه الصواب فيرجع الى قولها.