خدم نور الدين ومعهما أربعون اسيرا الفرنج، فقالا: أين الشيخ أبو محمد؟ فقلت لهما: ما تريدان ها أنا ذا؟ فقالا: المولى نور الدين يسلم عليك ويقول لك، انتق من هؤلاء، الأسارى أسيرا للشيخ أبى الحسين، قال: فاخترت له أسيرا منهم وتركته، فلما أقبل الشيخ أبو الحسين سلمته إليه، قال: فأخذه الشيخ أبو الحسين، ولم يحتجر عليه، وتركه باختيار نفسه، فكان ينام وحده ويمضي ويجيء وحده ولا يهرب، والله يحفظه بحيث لا يستطيع الهرب، قال: وكان يركب الشيخ أبو الحسين حماره ويعطي الأسير الغاشيه يحملها بين يديه، ويجيء إلى السوق إلى أشد الناس عداوة له من الروافض، فيقف عليه فيشتمونه ويقصد ذلك قصدا، قال:
فكانت عاقبة ذلك الأسير أنه أسلم، وحسن إسلامه.
حدثني أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر، قاضي العسكر، قال: حدثني صاحب للشيخ أبي الحسين الزاهد كان يخدمه، واسمه علي، قال: قال الشيخ أبو المعالي بن الحداد للشيخ أبي الحسين يوم جمعة: سألتك بالله العظيم (٦٩ - و) إلا صليت اليوم الجمعة، وشدد عليه المسألة، فأجابه إلى ذلك، فلما غصّ المسجد الجامع بحلب بالزحام، جاء الشيخ أبو الحسين وهو متلفع بكساء له، والماء يتقاطر من لحيته، فجلس إلى جانب المنبر، فلما أقيمت الصلاة انقسم الناس طائفتين، فطائفة رأته يصلي، وطائفة رأته قاعدا لم يقم، فحلف بعضهم بالطلاق أنه رآه يركع ويسجد مع الإمام وهو يصلي، وحلف البعض الآخر بالطلاق أنه رآه قاعدا لم يتحرك من مكانه، ولم يصل فذهبت الطائفتان إلى القاضي تاج الدين الكر دري، وهو إذ ذاك يتولى القضاء والفتيا بحلب، فسألوه عن هذه الواقعة، وعن وقوع الطلاق وعدم وقوعه، فقال: اذهبوا إلى الشيخ أبي الحسين فهو يفتيكم فيها، وهو أخبر بها، فذهبوا إليه فقال الذين حلفوا أنه لم يصل: أرأيتموني أصلي؟ قالوا:
لا والله، قال فاذهبوا فإنكم لم تحنثوا، وقال للذين حلفوا أنه صلى: أرأيتموني صليت؟ قالوا: نعم، قال: اذهبوا فإنكم لم تحنثوا، فعادوا جميعا الى الكردري وذكروا له ما قال، فقال: أفتاكم بالحق.
وحدثني عمي أبو غانم قال: قال لي أبو محمد بن الحداد: كنت لا أرى أبا الحسين الزاهد يصلي، وكان إذا حضر وقت الصلاة يناديني: أبو محمد قم الى