للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتركني عند جدي الصوفي أتفرّج بسرمين، وكنت لا أعرف لي والدا سواه لغيبة أبي عند الأمراء والملوك، فقال: يا علي احذر أن تخرج وحدك فإن الكلاب الكلبة كثير، فاتفق أنني خرجت مع أصحابي وغلماني فقيض لي كلب فرعشني، فدخلت غير طيب النفس، وذلك بعد العصر والزمان الصفّريّ في التشارين، فمضى من خبّر جدي الحسن الصوفي العجلي، فركب فرسه، وأخذ دلوا للسموط‍ وأخذني، ومضى يخب ويناقل وأنا معه الى أن أتى بي جب الكلب شمالي حلب فسقاني (١٩١ - ظ‍) منه، وغسل يدي ورجلي ووجهي، وقال: إقلع ثيابك، فقلت: الله الله إن خلعت ثيابي في هذا البرد متّ، فقال: وليت مت واسترحت يا فاعل يا صانع، فاستقى أربعين دلوا وصبها علي، وقال: تطلّع في الجبّ، وكانت آية الجب إن نفع المرعوش أبصر النجوم في الجبّ، وإن لم ينفعه سمع نبيح الكلاب، فقال: ما ترى؟ فقلت أرى النجوم في الماء، فقال: الحمد لله، وركب، وأخذني فبات في سرمين، ولكن بعد تهور الليل.

قال: يقول جدك: فو الله بعد تمام الإسبوع بلت ثلاث كلاب مصورة بأذنابها ورؤوسها.

قال: ولم يزل هذا الجب يتداوى به الناس الى أن ملك حلب رضوان الملك ابن تاج الدولة، فعوّل على توسيع فمه، وكان ضيقا عليه أربعة أعمدة، تمنع أن ينزل فيه، فقال: نعمله يكون الإنسان ينزل إليه، ولا يقلب عليه، فقيل له: إن هذه الطلسمات لا يجب أن تتغير عن كيفياتها، فلم يقبل ففتحه، فزال عنه ما كان يزيل الأذى، وكان يقال إن ذلك كان في سنة ست وتسعين وأربع مائه، وهو كان من العجائب الثلاث: جبّ الكلب، ونهر الذهب، وقلعة حلب، فأما النهر فهو ماء يجري الى ينتهي الى مواضع في الجبول وغيرها من القرى، فيسكبونها ويجرون إليها السواقي، فإذا دخل تلك المساكب جمد بإذن الله، وصار ملحا أبيض في بياض الثلج، فيباع منه بالأموال الخطيرة، ولذلك سمي نهر الذهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>