للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنبأنا أحمد بن أزهر بن السباك عن القاضي أبي بكر بن محمد بن أبي (١٢٤ - و) طاهر قال: أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسّن بن علي بن محمد التنوخي عن أبيه قال: حدثني أبي قال: كان عندنا بجبل اللكام رجل متعبد يقال له أبو عبد الله المزابلي، وإنما سمي بذلك، لأنه كان يدخل البلد بالليل، فيتتبع المزابل، فيأخذ ما يجد فيها، فيغسله ويقتاته، لا يعرف قوتا غير ذلك، أو أن يوغل في الجبل فيأكل من الثمار المباحات، وكان صالحا مجتهدا إلاّ أنه كان العقل (١)، وكانت له سوق عظيمة في العامة، وكان بأنطاكية موسى الزّكوري صاحب المجون، وكان له جار يغشى المزابلي، فجرى بين موسى الزكوري وجاره شر، فشكاه الى المزابلي، فلعنه المزابلي في دعائه، وكان الناس يقصدونه في كل جمعة، فيتكلم عليهم ويدعو، فلما سمعوا اللعنة لابن الزكوري جاء الناس الى داره أرسالا لقتله، فهرب ونهبت داره، وطلبه العامة فاستتر.

فلما طال استتاره قال: إني سأحتال على المزابلي بحيلة أتخلص منه بها فأعينوني، فقالوا: ما تريد؟ قال: أعطوني ثوبا جديدا، وشيئا من مسك ومجمرة ونارا وغلمانا يؤنسوني الليلة في هذا الجبل.

قال أبي: فأعطيته ذلك كله فلما كان في نصف الليل مضى، وخرج الغلمان معه الى الجبل حتى صعد فوق الكهف الذي يأوي فيه المزابلي، فبخّر بالند ونفج (١٢٤ - ظ‍) المسك فدخلت الرائحة الى كهف أبي عبد الله المزابلي، فصاح بصوت عظيم: يا أبا عبد الله المزابلي، فلما اشتم المزابلي الرائحة وسمع الصوت قال: مالك عافاك الله، ومن أنت؟ قال: أنا الروح الأمين جبريل، رسول رب العالمين أرسلني إليك، فلم ينسك المزابلي في صدق القول، وأجهش بالبكاء، والدعاء، وقال:

يا جبريل ومن أنا حتى يرسلك الله إليّ! فقال: الرحمن يقرئك السلام ويقول لك:

موسى بن الزكوري غدا رفيقك في الجنة، فصعق أبو عبد الله، وسمع صوت الثياب ورأى بياضها، وتركه موسى ورجع، فلما كان من الغد كان يوم الجمعة، فأقبل المزابلي يخبر الناس برسالة جبريل، ويقول: تمسحوا بابن الزكوري، وسلوه


(١) كذا بالاصل، ويرجح سقوط‍ كلمة: «ضعيف أو خفيف».

<<  <  ج: ص:  >  >>