للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله (١٤٤ - ظ‍) ما أعجب ما تأمرني به، هل الدنيا إلا يومان: فيوم قد مضى لي أو علي، ويوم أنا فيه لا أدري بما يختم لي من رحمة أو عذاب، فإن عذبني وأنا على حالة أتقرب اليه بها فهو أجدر أن يعذبني إذا فعلت أمرا أنا فيه مقصر، قلت:

فصم يوما وأفطر يوما، فقال: ذلك صوم الأبرار ومن أمن النار، الذين علموا أن الله عز وجل متجاوز عنهم، وقابل منهم، فأما أنا فأنت تعلم أني غير عامل (١) بما سبق في الكتاب من شقاء وسعادة، والله لئن عذبني الله على طاعته أحب إليّ من أن يغفر لي وأنا على معصيته، على أنه غير جائر على من خلقه، ولا معذبا له إلاّ بذنب، قلت:

أفلا أشتري لك وطاء تنام عليه؟ فقال: وأي وطاء أوطأ من ظهر الارض وقد سماه الله عز وجل «مهادا» (٢) والله لا أفرش فراشا ولا أتوسد وسادا حتى ألحق بالله عز وجل، فقلت: فهل لك أن تريح نفسك في هذه الغزاة وترجع، فقال: وا عجباه من قولك تأمرني أن أرجع عن الجنة وقد فتح لي بابها، والله لا أزال أعرض نفسي على الله تعالى لعله يقبلني، فإن رزقني وخصني بالشهادة فهو الذي كنت أحاول وفيه أطالب، وان حرمني ذلك فبالذنوب التي سلفت وأنا أسأل الله أن يتفضل علي بما سألته ويجيبني فيما دعوته، فغزا معنا ونحن في خلق كثير مع محمد بن مصعب (١٤٥ - و) فلقينا العدو، فكان أول من خرج، فقلت: أبشر بثواب الله عز وجل فقد أعطاك الرضا، وفوق المزيد، فقال بصوت ضعيف: الحمد لله على كل حال، لقد نظرت الى كل ما تمنيت فوق ما اشتهيت، وبلغت ما أحببت، وأدركت ما طلبت من حور وولدان وسلسبيل وريحان، وإياك والتقصير لعل الله عز وجل أن يبلغك ما بلغني، ويرزقك ما رزقني.


(١) كذا بالاصل ولعل الصواب: عالم.
(٢) انظر سورة النبأ-الآية:٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>