محكم رفع لها لانخفاض الأرض في ذلك الموضع، ثم تمر الى أن تصل الى بابلى (١)، وهي ظاهرة في مواضع، ثم تمر في جباب قد حفرت لها إلى أن تنتهي إلى باب القناة، وتظهر في ذلك المكان، ثم تمر تحت الأرض إلى أن تدخل من باب الأربعين، وتنقسم في طرق متعددة إلى البلد.
ولأهل حلب صهاريج في دورهم يخزنون فيها الماء منها ويبردونه فيها، إلا ما كان من الأمكنة المرتفعة كالعقبة، وقلعة الشريف فإن صهاريجهم من المطر، وقد كانت هذه القناة فسد طريقها لطول المدة ونقص منابيع عيونها فكراها السلطان الملك الظاهر رحمه الله، وحرر طريقها إلى البلد وكلّسه وسد مخارج الماء فيه، فكثر ماؤها وقويت عيونها، وجدد القنوات في حلب والقساطل، وأجرى الماء فيها حتى عست أكثر دور البلد، واتخذت البرك في الدور، حتى قال أبو المظفر بن محمد بن محمد الواسطي المعروف بابن سنينير يمدحه، وسمعتها من لفظه:
روى ثرى حلب فعادت روضة … أنفا وكانت قبله تشكو الظما
(٩ - ظ)
أحيا رفات مواتها فكأنّه … عيسى بإذن الله أحيا الأعظما
لا غرو أن أجرى القناة جداولا … فلطالما بقناته أجرى الدّما
ووصل ماء القناة في أيامه إلى مواضع من البلد لم يسمع بوصوله إليها، حتى أنها سيقت الى الحاضر السليماني، ووقف عليها أوقافا لعمارتها وإصلاحها.
قرأت في كتاب المسالك والممالك الذي وضعه الحسن بن أحمد المهلبي للعزيز الفاطمي المستولي على مصر قال: فأما حلب فهي مدينة قنسّرين العظيمة وهي مستقر السلطان، وهي مدينة جليلة عامرة آهلة، حسنة المنازل، بسور عليها من حجر، وفي وسطها قلعة على جبل وسط المدينة لا ترام، ليس لها إلا طريق لا مقابلة
(١) -جاء رسمها في معجم البلدان لياقوت بالالف الممدودة، وقال ياقوت: قرية كبيرة بظاهر حلب بينهما نحو ميل.