أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: قال لنا أبو بكر الخطيب: أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، أبو الطيب الجعفي الشاعر المعروف بالمتنبي، بلغني أنه ولد بالكوفة في سنة ثلاث وثلاثمائة، ونشأ بالشام، وأكثر المقام بالبادية، وطلب الادب وعلم العربية، ونظر في أيام الناس، وتعاطى قول الشعر من حداثته حتى بلغ فيه الغاية التي فاق أهل عصره، وعلا شعراء وقته.
واتصل بالامير أبي الحسن بن حمدان المعروف بسيف الدولة، وانقطع اليه، وأكثر القول في مديحه، ثم مضى الى مصر، فمدح بها كافور الخادم، وأقام هناك مدة، ثم خرج من مصر وورد العراق، ودخل بغداد، وجالس بها أهل الأدب، وقرئ عليه ديوانه.
فحدثني أحمد بن أبي جعفر القطيعي عن أبي أحمد عبيد الله بن محمد بن أبي مسلم الفرضي قال: لما ورد المتنبي بغداد سكن في ربض حميد، فمضيت الى الموضع الذي نزل فيه لأسمع منه شيئا من شعره، فلم أصادفه، فجلست أنتظره، وأبطأ علي، فانصرفت من غير أن القاه، ولم أعد إليه (٢٧ - ظ) بعد ذلك، وقد كان القاضي أبو الحسين محمد بن أحمد بن القاسم المحاملي سمع منه ديوانه ورواه عنه.
قال الخطيب: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال: حدثني أبو الحسن محمد بن يحيى العلوي الزيدي قال: كان المتنبي وهو صبي ينزل في جواري بالكوفة، وكان يعرف أبوه بعيدان السقاء، يستقي لنا ولا هل المحلة.
ونشأ هو محبا للعلم والادب فطلبه، وصحب الاعراب في البادية، فجاءنا بعد سنين بدويا قحا، وقد كان تعلم الكتابة والقراءة، فلزم أهل العلم والادب، وأكثر من ملازمة الوراقين، فكان علمه من دفاترهم.
فأخبرني وراق، كان يجلس اليه يوما، قال لي: ما رأيت أحفظ من هذا الفتى