المحل أجمل صفه، ومن الدين والزهد، ما لم يكن مثله في سواه من أهل زمانه، فلما اتصل خبره بالحاكم الفاطمي المستولي على مصر، وما هو عليه من الدين والأدب والعلم، والسؤدد الثاقب والفهم، حمله الشوق إليه على إيثار مشاهدته، فأنفذ رسولا قاصدا يستدعيه إليه ويسومه الوفادة عليه، وأصحبه من المال والدواب ما يستعين (١١٦ - و) به على طريقه، رغبة منه في رؤيته، والتبرك بمؤانسته فلما مثل بين يديه مال بجملته إليه، وتقدم بأن يخلع عليه، وأمر بانزاله، واجمال ضيافته، فلما كان بعد ثلاث أمر بإحضاره، فلما حضر أكرم مثواه وقربه وأدناه، وأمره بمواصلة حضرته، وتقدم الى الحجاب برفع حجبته، فأقام عنده المدة الطويلة كل يوم يمضي تتضاعف حظوته، وتتزايد من قلبه مكانته.
وفي بعض الأيام وهو بين يديه أراد الحاكم من شدة محبته له، وإعجابه به أن يبالغ في كرامته ونباهة قدره فقال له: أدخل يدك يا أحمد حكّ ظهري، ففعل ما رسم له، وداخل يده من كمه وحك الموضع الذي أشار إليه من ظهره، فلما أخرج يده قال له الحاكم: يا أحمد ما أردت بذلك إلا إكرامك، حتى تقول وضعت يدي على ظهر أمير المؤمنين بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأزيدك كرامة وتشريفا، وخلع عليه طيلسانا كان عليه، وقلده سيفا فاخرا كان يتقلد به يوم ركوبه في الأعياد، وأعطاه دواة كانت تحضر بين يديه للتوقيعات، وذلك كله عند ولده يتوارثه أب عن جد، ولم يزل مقيما عند الحاكم الى حين وفاته في أرفع رتبة وألطف منزلة.
فهذا ما نقلته من الجزء المشار إليه في مدائح الوزير أبي الفضل بن الموصول.
وقيل أن أحمد بن الموصول أقام عند الحاكم بمصر الى أن توفي في سنة تسعين وثلاثمائة.