«وأجمع هذه الأقوال أن المحكم ما كان قائما بنفسه لا يحتاج إلى استدلال، والمتشابه ما لم يقم بنفسه، واحتاج إلى استدلال» . وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: (٣/ ١٦، ١٧) : «المحكمات: المفصلات المبينات الثابتات الأحكام، والمتشابهات هي التي فيها نظر وتحتاج إلى تأويل ويظهر فيها ببادئ النظر إما تعارض مع أخرى أو مع العقل إلى غير ذلك من أنواع التشابه، فهذا الشبه الذي من أجله توصف بمتشابهات، إنما هو بينها وبين المعاني الفاسدة التي يظنها أهل الزيغ ومن لم يمعن النظر وهذا نحو الحديث الصحيح عن النبي عليه السلام: «الحلال بين الحرام بين، وبينهما أمور متشابهات» أي يكون الشيء حراما في نفسه فيشبه عند من لم يمعن النظر شيئا حلالا، وكذلك الآية يكون لها في نفسها معنى صحيح فتشبه عند من لم يمعن النظر أو عند الزائغ معنى آخر فاسدا فربما أراد الاعتراض به على كتاب الله، هذا عندي معنى الإحكام والتشابه في هذه الآية ... » . [.....] (٢) ذكره الطبري في تفسيره: (٦/ ١٧٩، ١٨٠) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. قال الطبري- رحمه الله-: «وهذا القول ذكرناه عن جابر بن عبد الله أشبه بتأويل الآية ... » . وانظر هذا القول في تفسير الماوردي: ١/ ٣٠٥، وتفسير البغوي: ١/ ٢٧٩، والمحرر الوجيز: ٣/ ١٩. (٣) اختاره الفراء في معانيه: ١/ ١٩١، وعزاه النحاس في معاني القرآن: ١/ ٣٥١ إلى الكسائي والأخفش، والفراء، وأبي عبيد، وأبي حاتم الرازي. (٤) التبيان للعكبري: ١/ ٢٣٩، والبحر المحيط: ٢/ ٣٨٤، والدر المصون: ٣/ ٢٩. (٥) أورد النحاس في معانيه: ١/ ٣٥٤ هذا القول والذي قبله ثم قال: «والقول الأول وإن كان حسنا فهذا أبين منه، لأن واو العطف الأولى بها أن تدخل الثاني، فيما دخل فيه الأول، حتى يقع دليل بخلافه. وقد مدح الله عز وجل الراسخين بثباتهم في العلم، فدخل على أنهم يعلمون تأويله ... » واختاره مكي في مشكل إعراب القرآن: ١/ ١٤٩ فقال: «عطف على اسم «الله» جل ذكره فهم يعلمون المتشابه، ولذلك وصفهم الله تعالى بالرسوخ في العلم. ولو كانوا جهالا بمعرفة المتشابه لما وصفوا بالرسوخ في العلم ... » . وقال ابن عطية في المحرر الوجيز: (٣/ ٢٥، ٢٦) : «وهذه المسألة إذا تؤملت قرب الخلاف فيها من الاتفاق، وذلك أن الله تعالى قسم آي الكتاب قسمين: محكما ومتشابها، فالمحكم هو المتضح المعنى لكل من يفهم كلام العرب لا يحتاج فيه إلى نظر ولا يتعلق به شيء يلبس، ويستوي في علمه الراسخ وغيره، والمتشابه يتنوع، فمنه ما لا يعلم ألبتة، كأمر الروح، وآماد المغيبات التي قد أعلم الله بوقوعها إلى سائر ذلك، ومنه ما يحمل على وجوه اللّغة ومناح في كلام العرب، فيتأول تأويله المستقيم، ويزال ما فيه مما عسى أن يتعلق به من تأويل غير مستقيم كقوله في عيسى رُوحٌ مِنْهُ إلى غير ذلك، ولا يسمّى أحد راسخا إلا بأن يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدر له، وإلا فمن لا يعلم سوى المحكم فليس يسمى راسخا، وقوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ عائد على جميع متشابه القرآن ... » .