للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من بخارى، يشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها، واستدعى فيه أغنياء المسلمين بالدعاء على رؤوس الملأ في كشف ذلك البلاء عنهم ووصف فيه أن واحدا تقدم الى خباز يشتري الخبز فدفع الدراهم الى صاحب الحانوت، فكان يزنها والخباز يخبز والمشتري واقف، فمات الثلاثة في الحال، واشتد الأمر على عامة الناس، فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، واستقرأ من القارئ قوله تعالى: «أفأ من الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض (١)» ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير، وأثر ذلك فيه، وتغير في الحال، وغلبه وجع البطن من ساعته، وأنزل من المنبر وكان يصيح من الوجع، وحمل الى الحمام الى قريب من غروب الشمس، فكان يتقلب ظهرا (١٠٤ - ظ‍) لبطن ويصيح ويأن، فلم يسكن ما به، فحمل الى بيته وبقي فيه سبعة أيام لم ينفعه علاج، فلما كان يوم الخميس سابع مرضه ظهرت آثار سكره الموت فودع أولاده، وأوصاهم بالخير، ونهاهم عن لطم الخد وشق الجيوب والنياحة، ورفع الصوت بالبكاء، ثم دعا بالمقرئ أبي عبد الله خاصته حتى قرأ سورة يس وتغير حاله، وطاب وقته، وكان يعالج سكرات الموت الى أن قرأ اسناد ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة (٢)» ثم توفي رحمه الله من ساعته عصر يوم الخميس، وحملت جنازته من الغد عصر يوم الجمعة-الى ميدان الحسين-الرابع من المحرم سنة تسع وأربعين وأربعمائة، واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم، وصلى عليه ابنه أبو بكر ثم أخوه أبو يعلى، ثم نقل الى مشهد أبيه في سكة حرب، وكان مولدة سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة، وكان وقت وفاته طاعنا في سبع وسبعين.

قال الحافظ‍ أبو القاسم: أخبرنا أبو محمد بن الأكفاني قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد الكتاني قال: أخبرنا القاضي أبو علي الحسن بن أبي طاهر الحنبلي قال: توفي الأستاذ أبو عثمان اسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني رحمه الله في سنة خمسين وأربعمائة.

قال عبد العزيز: وكان شيخا ما رأيت في معناه زهدا وعلما، كان يحفظ‍ من


(١) - سورة النحل-الآية:٤٥.
(٢) -انظره في كنز العمال:١/ ١٧٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>