للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت لأبيه، وأن تكون الأموال للفرنج، وطال حصار حلب واشرفت على الاستيلاء عليها، وبلغ بهم الضر الى حالة عظيمة حتى أكلوا الميتات والجيف، ووقع فيهم المرض، فحكى لي والدي أنهم كانوا في وقت الحصار مطرحين من المرض في أزقة البلد، فاذا زحف الفرنج، وضرب بوق الفزع قاموا كأنما نشطوا من عقال وقاتلوا حتى يردوا الفرنج، ثم يعود كل واحد من المرضى الى فراشه، وما زالوا في هذه الشدة الى أن أعانهم الله بقسيم الدولة آق سنقر البرسقي، فأخلص النية لله في نصرتهم، ووصل الى حلب في ذي الحجة من سنة ثمان عشرة وخمسمائة، وأغاث أهلها ورحل العدو عنها، وكانت رغبات الملوك فيها اذ ذاك قليلة، لمجاورة الفرنج لها وخراب بلدها وقلة ريعه، واحتياج من يكون مستوليا عليها الى الخزائن والاموال والنفقة في الجند.

فاخبرني والدي أبو الحسن أحمد وعمي أبو غانم محمد، وحديث أحدهما ربما يزيد على الآخر، قالا: سمعنا جدك-يعنيان-أباهما أبا الفضل هبة الله يقول:

لما اشتد الحصار على حلب، وقلت الأقوات بها وضاق الأمر بهم، اتفق رأيهم على أن يسيروا أبي القاضي أبا غانم قاضي حلب والشريف زهرة وابن الجلى الى حسام الدين (٢٧٣ - ظ‍) تمرتاش الى ماردين وكان هو المتولي حلب، وهي في أيدي نوابه وقد تركها ومضى الى ماردين واشتغل بملك تلك البلاد عن حلب، قال: فاتفقوا على ذلك وأخرجوا أبي والشريف وابن الجلى ليلا من البلد، فلما أصبح الصباح صاح الفرنج الى أهل البلد: أين قاضيكم وأين شريفكم؟ قال: فانقطعت ظهورنا وتشوشت قلوبنا، وأيقنا بأنهم ظفروا بهم، فوصلنا منهم كتاب يخبر أنهم قد وصلوا الى مكان أمن عليهم بالوصول، فطابت قلوب أهل حلب لذلك.

قال عمي ووالدي: فسمعنا والدنا يقول: سمعت أبي أبا غانم يقول: لما وصلنا الى ماردين ودخلنا على حسام الدين تمرتاش وذكرنا له ما حل بأهل حلب وما هم فيه من ضيق الحصار والصبر، وعدنا بالنصر وأنه يتوجه اليها ويرحل الفرنج عنها، وانزلنا في مكان بماردين، وجعلنا نطالبه بما وعد وهو يدافعنا من يوم الى يوم وكان آخر كلامه أن قال: خلوهم اذا أخذوا حلب عدت وأخذتها فقلنا في أنفسنا

<<  <  ج: ص:  >  >>