للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هذا الا فرصة، وقلنا له: لا تفعل ولا تسلم المسلمين الى عدو الدين، فقال:

وكيف أقدر على لقائهم في هذا الوقت؟ فقال له القاضي أبو غانم: وأيش هم حتى لا تقدر عليهم ونحن أهل البلد اذا وصلت الينا نكفيك أمرهم.

قال القاضي أبو الفضل: فكتبت كتابا من حلب الى والدي أبي غانم أخبره فيه بما حل بأهل حلب من الضر، وأنه قد آل الامر بهم الى أكل القطاط‍ (٢٧٤ - و) والكلاب والميتة، فوقع الكتاب في يد تمرتاش وشق عليه وغضب وقال: انظروا الى جلد هؤلاء الفعلة الصنعة قد بلغ بهم الامر الى هذه الحالة، وهم يكتمون ذلك ويتجلدون ويغرونني ويقولون: اذا وصلت الينا نكفك أمرهم.

قال القاضي أبو غانم: فأمر تمرتاش بأن يوكل (١) علينا، فوكل بنا من يحفظنا خوفا أن ننفصل عنه الى غيره، فأعملنا الحيلة في الهرب الى الموصل، وأن نمضي الى البرسقي ونستصرخ به ونستنجده، فتحدثنا مع من يهربنا وكان للمنزل الذي كنا فيه باب يصر صريرا عظيما اذا فتح أو أغلق، فأمرنا بعض أصحابنا أن يطرح في صائر الباب زيتا ويعالجه لنفتحه عند الحاجة ولا يعلم الجماعة الموكلون بنا اذا فتحناه بما نحن فيه، وواعدنا الغلمان اذا جن الليل أن يسرجوا الدواب ويأتونا بها، ونخرج خفية في جوف الليل ونركب ونمضي.

قال: وكان الزمان شتاء، والثلج كثير على الأرض؛ قال القاضي أبو غانم: فلما نام الموكلون بنا جاء الغلمان بأسرهم إلا غلامي ياقوت وأخبر غلمان رفاقي أن قيد الدابة تعسر عليه فتحه وامتنع كسره، فضاقت صدورنا لذلك، وقلت لأصحابي:

قوموا أنتم وانتهزوا الفرصة ولا تنتظروني، فقاموا وركبوا والدليل معهم يدلهم على الطريق، ولم يعلم الموكلون بنا بشيء مما نحن فيه، وبقيت وحدي من بينهم مفكرا لا يأخذني نوم حتى كان وقت السحر فجاءني ياقوت غلامي بالدابة، وقال (٢٧٤ - ظ‍) الساعة انكسر القيد، قال: فقمت وركبت لا أعرف الطريق ومشيت في الثلج أطلب الجهة التي أقصدها، قال: فما طلع الصبح إلا وأنا وأصحابي الذين سبقوني في مكان واحد وقد ساروا من أول الليل وسرت من آخره، وكانوا قد ضلوا عن الطريق،


(١) -أي أمر باعتقالهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>