للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيضه يوفضون، وفي روضة يرتاضون، ولنداه ينادون، ولجداه يجتدون، وبنجمه يهتدون، ولهديه يستهدون، وعلم العلم في العلم عنده عال وسعر الشعر في سوق الرجاء رائج غال، فلما نكب الوزير نضب الغدير، وفاض الجهد، وباض الجور، وغاض الماء، وقضي الامر، وانهز جودي الجود، وذوى عود الوعود، وابتليت بالحزن النهى، وبالخزن اللهى، وصين العرض، وبذل العرض، وقصر الطول، وضاق العرض، وحال الجريض (١) دون القريض، واغنى التصريح برد ذوي الحاجات عن التعريض، وانقطع الواصلون الى الموصل، وتفرق الفاصلون عن المحفل، وغلب اليأس على الرجاء، والبخل على السخاء، وأظلم الجو، وعدم الضوء وشتا الشاتاني بعده، وصاف، ففقد الانصاف، وحرم الاسعاف، ووقف أمره في الوقف، وعوض بدفعه بالعنف، ونفي حقه ونسي، وأرجي رجاؤه (٢٠٥ - ظ‍) وأنسي، ورأى الموصل مقطعا والمفزع مفزعا، والمولى موليا، والسابق مصليا (٢) والمعرفة نكرة، والمعزفة منكسرة، والمرقة مراقة، والورقة متخزقة، ورفقه الأدب عن المأدبة متفرقة، وطلب اسفار صبح حاله وسفور ود جماله في أسفاره وحله وترحاله.

فلما سار أنس بالشام من نور الدين نارا بل نورا، (٣) «وكان أمر الله قدرا مقدورا» (٤) فاتخذ دمشق دار هجرته، وغار أسرته ومبرك مبرته، ومسرح مسرته، ومجثم ربوضه، وموسم سننه وفروضه، ومرج مرجه، وبرح فرحه، وبيت قصده، وبيت قصيدته، فأشرق عند النور نوره، وانتظمت بأمره أموره، ودرت أنواء أدراره، وذرت أنوار أبداره، فلما خبا ذلك النور طوي المنشور، وأطبق الدستور، وتولى أبو صالح (٥) ملك الملك الصالح بدأ بتبطيل المصالح، وتعطيل المنائح، ومنح الصلات ورفع الصدقات، وقال للشاتاني: غب وخب، واذا دعيت فلا تجب، فما لأريب عندنا أرب، وما لأديب لدينا إلاّ الدأب، والفضل فضوله، والعلم غلول،


(١) -الجريض: الغصة. القاموس.
(٢) -أي التالي للسابق. القاموس.
(٣) -انظر سورة القصص-الآية:٢٩.
(٤) - سورة الاحزاب-الآية:٣٨.
(٥) -هو القطب ابن العجمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>