للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما علم العلم حينئذ كيف العمل، وخيم الامل أيحتمل أم يتحمل، أيغرب أم يشرق، أينجد أم يعرق، حتى تدارك الله ذماء الفضل، ورعى ذمام أهله باناره صبح الحق، وايضاح سبله، واعلاء أعلام الندى، وأحكام أحكام الهدى، ووصول الرايات الملكية (٢٠٦ - و) الناصرية الى الشام وقيامه بنصر الاسلام، انتعش جد الكرم العاثر، وحيي رسم الجود الداثر، وفر ذلك الشيطان من ظل عمر، (١) وغم ذلك الغم ما أفاض من البر وغمر، وصار الشام بيوسف مصرا آخر باحسانه قد فرعون فرعونه وهامانه، وبسط‍ المكرمات وأدر البرات ورد الصلات والصدقات، وعادت حال هذا الفاضل حاليه وقيمته عالية وديمة حظه هاميه، وخطوة فضله نامية، ومدحه بقصيدة أولها:

أرى النصر معقودا برايتك الصفرا … فسر وافتح الدنيا فأنت بها أحرى

ومنها:

يمينك فيها اليمن واليسر في اليسرى … فبشرى لمن يرجو الندى بهما بشرى

وهذا علم الدين ذو العلم الغزير، والفضل الكثير، والمحفوظ‍ الوافر من كل فن، وهو المحظوظ‍ بكل قبول، ومن قد وفد في ريعان عمره الى عمى العزير (٢) ببغداد واتخذه المعان، ومدحه فأجازه ومنحه وسلمه الى ابن سلمان، فقرأ عليه الفقه، وبلغ من معرفته الكنه واكتسب خلقه الظرف، واكتسى شعره الرقة واللطف حاوي المحاسن صافي الباطن سليم القلب قويم اللب حلو الفكاهة، خلو من السفاهة بديع الفقرة، سريع النقرة، عجل الاوبة، طويل الفكرة، قليل العثرة، مستجيب العبرة مستريب بالكرة، واذا أردت أن تغيظه فتعرض له أو اعترض عليه، وتحدث بين يديه، وقلوب الفضلاء مغسولة (٢٠٦ - ظ‍) وحكمتهم معسولة، وحدتهم مقبولة شدتهم لين، وغثهم سمين، ومقارنتهم فضيلة، ومجانبتهم رذيلة، شرفهم عتيد، وأنفهم شديد.

قد توجه من الموصل الى دار الخلافة مرار، ووجد برها وكرامتها على الاغيار


(١) -اشارة الى الحديث: يا عمر ما رآك الشيطان سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك.
(٢) -أحمد بن حامد.

<<  <  ج: ص:  >  >>