طلبة للعلم وسامعي الحديث، وكنا نختلف الى شيخ كان أرفع أهل عصره في العلم منزلة وأدراهم للحديث، وأعلاهم إسنادا وأصحهم رواية، فكان يملي علينا كل يوم مقدارا يسيرا من الحديث حتى طالت المدة وخفت النفقة ودفعت الضرورة الى بيع ما صحبنا من ثوب وخرقة الى أن لم يبق لنا ما كنا نرجو حصول قوت يوم منه وطوينا ثلاثة أيام بلياليها جوعا وسوء حال، ولم يذق أحد منا فيها شيئا وأصبحنا بكرة اليوم الرابع بحيث لا حراك بأحد من جملتنا من الجوع وضعف الأطراف وأحوجت الضرورة الى كشف قناع الحشمة وبذل الوجه للسؤال، فلم تسمح أنفسنا بذلك ولم تطب قلوبنا به وأنف كل واحد منا عن ذلك، والضرورة تحوج الى السؤال على كل حال، فوقع اختيار الجماعة على كتابة رقاع بأسامي كل واحد منا، وارسالها قرعة فمن ارتفع اسمه من الرقاع كان هو القائم بالسؤال واستماحة القوت لنفسه ولجميع أصحابه، فارتفعت الرقعة التي اشتملت (٢١٦ - و) على اسمي فتحيرت ودهشت ولم تسامحني نفسي بالمسألة واحتمال المذلة فعدلت الى زاوية من المسجد أصلي ركعتين طويلتين قد اقترن الاعتقاد فيها بالاخلاص أدعو الله سبحانه بأسمائه العظام وكلماته الرفيعة لكشف الضر وسياقة الفرج، فلم أفرغ بعد عن اتمام الصلاة حتى دخل المسجد شاب حسن الوجه، نظيف الثوب طيب الرائحة يتبعه خادم في يده منديل فقال: من منكم الحسن بن سفيان؟ فرفعت رأسي من السجدة فقلت: أنا الحسن بن سفيان، فما الحاجة؟ فقال: إن الأمير ابن طولون صاحبي يقرئكم السلام والتحية ويعتذر إليكم في الغفلة عن تفقد أحوالكم والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم، وقد بعث بما يكفي نفقة الوقت وهو زائركم غدا بنفسه ويعتذر بلفظه إليكم، ووضع بين يدي كل واحد منا صرة فيها مائة دينار، فتعجبنا من ذلك جدا، وقلنا للشاب: ما القصة في هذا؟ فقال: أنا أحد خدم الأمير ابن طولون المختصين به والمتصلين بأقربائه وخواص أصحابه، دخلت عليه بكرة يومي هذا مسلما في جملة أصحابي، فقال لي وللقوم: أنا أحب أن أخلو يومي هذا فانصرفوا أنتم الى منازلكم، فانصرفت أنا والقوم، فلما عدت الى منزلي فلم يتسق قعودي حتى أتاني الأمير مسرعا مستعجلا يطلبني (٢١٦ - ظ) حثيثا فأجبته مسرعا، فوجدته منفردا في بيت واضعا يمينه على خاصرته لوجع ممض اعتراه في داخل