فقال: وايش كان ذلك الكلب أبو علي الفارسي، وايش كان ذلك الكلب ابن جني، قال شميم: فتقدمت اليه وقلت له: يا سيدنا هؤلاء هم علماء النحو وكبراؤه، فاذا قلت انهم كلاب، وأنت تدعى ملك النحاة فتصير اذا ملك الكلاب لا ملك النحاة، قال: فقال لي: والله صدقت هؤلاء هم علماء النحو، قال: فلم أسمع منه بعد ذلك مثل هذا الكلام.
سمعت شيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز (٢٣٥ - ظ) بن محمد الأنصاري يقول: سافر ملك النحاة الى غزنة، وأراد أن يجتمع بملك غزنة فقيل له: ان ملك غزنة يجلس على سرير عال، ويجلس وزيره بجانب السرير ولا يقعد أحد إلاّ تحت الوزير، فقال: مبارك، فأذن له فدخل الى ملك غزنه، وجاء الى السرير وكان طويل القامة، فوضع رجله على السند الذي الى جانب الوزير وتعلق في السرير ليقبل يد ملك غزنه، فتحرك له ملك غزنة، فقال: أيها الملك ينبغي للملك أن يقوم للملك، فقام له ملك غزنة فجلس على السرير الى جانبه.
وذكر لي بعض من كنت أحاضره، ويغلب على ظنى أنه القاضي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الخضر أو ابراهيم بن سليمان النجار الكاتب أن ملك النحاة خلع عليه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي خلعه سنية، فلبسها يوما واجتاز بها على حلقة عظيمة فمال اليها لينظر ما هي فوجد رجلا قد علم تيسا له استخراج الخبايا وتعريفه من يريد أن يعرفه به من الحلقة باشارة لا يفهمها غير ذلك التيس المعلم، فوقف ملك النحاة وهو راكب بالخلعة فقال الرجل: في حلقتي رجل عظيم القدر، شائع الذكر، ملك في زي سوقه، أعلم الناس وأكرم الناس، وأجمل الناس فأرني إياه، فشق ذلك التيس الحلقة، وخرج حتى وضع يده على ملك النحاة فلم يتمالك ملك النحاة أن نزع الخلعة (٢٣٦ - و) ووهبها لصاحب التيس، فبلغ ذلك نور الدين فعاتبه على ما فعل، فقال: يا مولانا عذري في ذلك واضح، لان في هذه المدينة مائة ألف تيس ما فيهم من عرف قدري غير ذلك التيس فضحك نور الدين منه.