قال لي تاج الدين أحمد بن هبة الله بن الجبراني النحوي الحلبي: قدم أبو سعيد السيرافي حلب، وجمع سيف الدولة بن حمدان بينه وبين أبي علي الفارسي، وجرت بينهما مسائل، وهي كانت سبب وضع أبي علي الفارسي المسائل الحلبية، قال وكان قاضي الربع ببغداد.
قرأت في «كتاب الانتصار المنبي عن فضائل المتنبي (إ)» (١) تأليف أبي الحسن محمد بن أحمد المغربي، قال في أثناء الكتاب في ذكر أبي سعيد السيرافي، أنه كان مؤدب الامير أبي اسحاق بن معز الدولة (٢٦٦ - ظ) أبي الحسين، وقال: يوشك أن يكون حدثني المعروف بابن الخزاز الوراق بالكرخ ببغداد، وأبو بكر القنطري وأبو الحسين الخراساني وهما وراقان أيضا من جلة أهل هذه الصناعة، أن أبا سعيد اذا أراد بيع كتاب استكتبه بعض تلامذته حرصا على النفع منه ونظرا في دق المعيشة كتب في آخره، وان لم ينظر في حرف منه، قال الحسن بن عبد الله: قد قرئ هذا الكتاب عليّ وصح، ليشترى بأكثر من ثمن مثله.
قلت: وهذا بعيد من أبي سعيد على زهده وورعه.
قرأت في رسالة في تقريظ أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ تأليف أبي حيان على بن محمد بن العباس التوحيدي ذكر في أولها أنه لقي جماعة من الشيوخ العلماء وأنهم كانوا يقرظون الجاحظ، فذكر منهم جماعة وقال: ومنهم أبو سعيد السيرافي شيخ الشيوخ، وامام الائمة معرفة بالنحو والفقه، واللغة والشعر، والغريب والعروض والقوافي، والقرآن والفرائض، والحديث والشروط، والكلام والحساب والهندسة، أفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة فما وجد له خطأ ولا عثر منه على زلة، وقضى ببغداد، وشرح كتاب سيبويه في ثلاثة آلاف ورقة ومائتي ورقة بخطه في السليماني فما جاراه فيه أحد، ولا سبقه الى تمامه انسان، هذا مع الثقة والامانة والديانة والرزانة صام أربعين سنة وأكثر الدهر كله، قال لنا الاندلسي: فارقت بلدي في أقصى المغرب طلبا للعلم ومشاهدة العلماء، فكنت الى أن دخلت بغداد ولقيت أبا سعيد وقرأت عليه كتاب سيبويه نادما سادما، في اغترابي